(مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ. بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) :
المرج هو القلق وهو الإرسال ، وهو المزج (١) وهنا الإرسال والمزج ، فلو كان أحدهما المقصود لجيء به ، لا المرج الجامع لهما ، مرج الإرسال التقاء دون مزج وتداخل ، ومرج اللقاء دون تفاعل ، اللهم إلا في غير بغي.
ومن البحرين الممزوجين بحر الأرض وبحر السماء ، إذ يمزج من أبخرة الأرض بمياه السماء وبخاراتها ، كما يمزج من مياه السماء ببحار الأرض ، وقد يروى عن علي عليه السلام (٢) كما ومنهما بحر العذب والملح الأرضيين ، وقد يجمعهما : (وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً) (٢٥ : ٥٣) حجر محجور عن بصر العين وبصيرة العلم وحتى الآن ، حجر حاجز بينهما عن التباغي رغم التلاقي : (وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً) (٢٧ : ٦١).
وترى ما هو هذا الحجر الحاجز البرزخ في البحرين الأرضيين؟ ليس لنا أن نهرف بما لا نعرف! إلا أن البرزخ توحي بأنه ليس من العذب الفرات ولا الملح الأجاج ، وإنما برزخ بين الماءين ، فهل هو ماء بعد؟ قد يكون! ولكنه محجور عن الرؤية ، فليكن أخف من المياه التي نعرفها ، مختلفة عنها تراكيبه ، بجزئياته ، فرقته ودقته بحيث لا يرى!.
__________________
(١) الإرسال من معانيها الثانوية كما يقال : مرج الدابة يمرجها إذا أرسلها ترعى في المرج : المرعى.
والمزج هو معناها الأصيل وليس هنا القلق ، من المكسور العين ، وهنا هي من المفتوح العين ، إضافة الى كونه لازما والمرج هنا متعد.
(٢) قرب الاسناد للحميري عنه (ع) في آية المرج واللؤلؤ والمرجان : من السماء ومن ماء البحر ، وتتمة الحديث تأتي.