الإلقاء إيحاء بكيان هذه الولاية ، أنها ملقاة مفصولة عن القلب ، بمكتوب أو سواه بعث لهم سرا.
ف (تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) و (تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) تقتضيان أدبيا أن جماعة منهم ألقوا إلى المشركين مسرّين شيئا من الأسرار ، وقد فضحهم الله كما يفضح المنافقين ، لأنهم اعتملوا عملية النفاق ، وإن لم يكونوا منافقين ، ولكنه ضلال عن سواء السبيل ، فما دور الأرحام والأولاد بجنب الإيمان إلا دور الأغارب البعيدين سواء ، فلما ذا الاعتياض بإلقاء الأسرار بهم بالمودة؟ إعلانا أو إسرارا (وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ)؟.
يقف الإنسان هنا حائرا من فعلة حاطب وأضرابه ، وهو مسلم مهاجر ، فيا للنفس البشرية من منحنيات عجيبة ، قد يحتمي لمن يعانده حفاظا على قرابته وأحمّته ، وبينه وبين الذين يلقي إليهم بالمودة ثالوث المفارقات : (عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ) (كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ) (يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ).
إنهم عادوا الله إذ أشركوا به ، وعادوا الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم إذ كذبوه ، وكفروا بالحق الذي جاءكم من الله يحمله رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وأخرجوا الرسول والمؤمنين مغبّة إيمانهم بالله ومحبة إدخالهم في الكفر كما هم : (أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ) لا تتخذوهم أولياء (إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي) فمفاصلة أعداء الله من شروط الإيمان الذي يدفعكم للخروج عن الأموال والأهلين جهادا في سبيل الله وابتغاء مرضاة الله.
فكيف يوادهم ويلقي إليهم بالمودة أسرارا ، من هم رجال الله المنتسبون اليه الذين يحملون شارته في هذه الأرض المغبرة ، ويمثلون شاشة الحق في مصارح ومسارح المجتمع المتصارعة؟ .. إنه ليس إلا ضعف الإيمان ولمّا ينضج ، وإنه من عقبات رواسب الأواصر القريبة ، والعصبيات الصغيرة ، والقرابات التافهة ، التي يجب أن تذوب في بوتقة الإيمان ولمّا تذب!