غلطهم به أن ذلك عندهم ليس يكون إلا على وجه واحد ، حتى ظنوا أنه لا يجوز أن تكون العين شيئا له فى جوهره ضوء كالأشياء اللوامع التي ذكرناها فيما سلف. فإذا كانت ظلمة لمع وأضاء ما قدامه بكيفية يؤثرها لا لشىء ينفصل عنه وكأنه (١) لا يجوز أيضا أن يكون الحك واللمس قد يحدث شعاعات نارية لطيفة فى الظلمة ، كما يتفق من مس ظهر (٢) السنور وإمرار اليد على المخدة واللحية فى الظلمة. وقد يظهر لك أنه لا يبعد أن تكون الحدقة نفسها مما يلمع ليلا ويضيء ويلقى شعاعها على ما يقابلها ، فإن عيون (٣) كثير (٤) من الحيوان بهذه الصفة كعين الأسد والحية. فإذا كانت (٥) كذلك جاز أن ينير المظلم. ولهذا ما كان كثير من الحيوانات ترى الظلمة لإنارتها الشىء بنور يفيض من عينيها ولقوة (٦) عينها.
وأما حديث امتلاء الحدقة عند تغميض الأخرى فمن الذي ينكر أن يكون فى العصبة المجوفة جسم لطيف هو مركب القوة الباصرة ، وهو الذي يسمى (٧) الروح الباصرة ، (٨) وأنه (٩) يتحرك تارة مستبطنا هاربا وتارة مستظهرا محدقا. فإذا غمضت إحدى العينين هرب (١٠) من التعطل ومن الظلمة طبعا ، فمال (١١) إلى العين الأخرى ، لأن المنفذ فيهما مشترك على ما يعرفه أصحاب التشريح. وليس إذا امتلا شىء من شىء ، يجب من ذلك أن يكون فى طبع المالئ بروز وخروج وذهاب فى الأرض ومسافرة إلى أقطار العالم.
وأما حديث المرآة فيلزم سؤالهم جميع من عنده أن المرآة تنطبع فيها صورة المحسوس. لكن الأجوبة التي يمكن أن يجاب بها عن ذلك ثلاثة : جواب كأنه مبنى على مذهب مشهور ، وهو أن الصورة لا تنطبع فى المرآة على الهيئة التي تنطبع الصورة المادية فى موادها وبحيث لا تجتمع (١٢) فيها (١٣) الأضداد ، بل هذه الصورة تنطبع كليتها فى كلية المرآة ، ولا بأس أن يجتمع فيها شبح بياض
__________________
(١) وكأنه : وكان م.
(٢) ظهر : ظهور د.
(٣) عيون : عيونا د
(٤) كثير : كثيرة د.
(٥) كانت : كان ك.
(٦) عينيها ولقوة : ساقطة من م.
(٧) وهو الذي يسمى : وهى التي تسمى د ، م.
(٨) الباصرة : الباصر ك
(٩) وأنه : أنه ك.
(١٠) هرب : هربت د ، ف ، م
(١١) فمال : فمالت د ، ف ، م.
(١٢) لا تجتمع : لا تجمع م
(١٣) فيها : فيه د ، ك ؛ منه م.