فلهذه الأسباب ولأسباب (١) أخرى أخفى (٢) وآكد من هذه ما احتاج الإنسان أن تكون له فى طبعه قدرة على أن يعلم الآخر الذي هو شريكه ما فى نفسه بعلامة وضعية ، وكان أخلق ما يصلح لذلك هو الصوت لأنه ينشعب إلى حروف تتركب منها تراكيب كثيرة من غير مؤونة تلحق البدن وتكون شيئا لا يثبت ولا يبقى فيؤمن وقوف من لا يحتاج إلى شعوره عليه. وبعد الصوت الإشارة فإنها كذلك ، إلا أن الصوت أدل من الإشارة ، لأن الإشارة إنما تهدى من حيث يقع عليها البصر ، وذلك يكون من جهة مخصوصة ، ويحتاج أن يكلف المراد إعلامه أن تحرك حدقته إلى جهة مخصوصة حركات كثيرة يراعى بها الإشارة. وأما الصوت فقد (٣) تغنى الاستعانة به (٤) عن أن يكون من جهة مخصوصة ، وتغنى أيضا عن أن تراعى بحركات ، ومع ذلك فليس يحتاج فى أن يدرك إلى متوسط كما لا يحتاج اللون إليه ، لا كحاجة (٥) الإشارات ، فجعلت الطبيعة للنفس أن تؤلف من الأصوات ما يتوصل به إلى إعلام الغير. وفى الحيوانات الأخرى أيضا أصوات يقف بها غيرها على حال فى نفسها. لكن تلك الأصوات إنما تدل (٦) بالطبع وعلى جملة من الموافقة أو المنافرة (٧) غير محصلة ولا مفصلة.
والذي للإنسان فهو بالوضع ، وذلك لأن الأغراض الإنسانية تكاد أن لا تتناهى ، فما كان يمكن أن تطبع هى على أصوات بلا نهاية ، فمما (٨) يختص بالإنسان هذه الضرورة الداعية إلى الإعلام والاستعلام لضرورة داعية إلى الأخذ والإعطاء بقدر عدل ولضرورات أخرى ، ثم اتخاذ المجامع واستنباط الصنائع.
وللحيوانات الأخرى وخصوصا للطير صناعات أيضا ، فإنها تصنع بيوتا ومساكن لا سيما (٩) النحل. لكن ذلك ليس مما يصدر عن استنباط وقياس ، بل عن إلهام وتسخير ، ولذلك ليس مما يختلف ويتنوع ، وأكثرها لصلاح أحوالها وللضرورة النوعية ليست للضرورة الشخصية.
__________________
(١) ولأسباب : وأسباب ك
(٢) أخرى أخفى : أخرى أخرى د.
(٣) فقد : قد د
(٤) به : ساقطة من م :
(٥) كحاجة : لحاجة م.
(٦) تدل : تعلمها د
(٧) أو المنافرة : والمنافرة ك ، م.
(٨) فمما : فهما م.
(٩) لا سيما : لا يسماك.