وأما ثالثا فإن هذا الجسم إما أن يكون جملة البدن ، فيكون إذا نقص منه شىء لا يكون ما نشعر به أنا نحن موجودا ، وليس كذلك ، فإنى أكون أنا وإن لم أعرف أن لى يدا ورجلا أو عضوا من هذه الأعضاء ، على ما سلف ذكره (١) فى مواضع (٢) أخرى ، بل أظن أن هذه توابعى ، وأعتقد أنها آلات لى أستعملها فى حاجات ، لو لا تلك الحاجات لما احتيج (٣) إليها لى ، (٤) وأكون أيضا أنا أنا (٥) وليست هى.
ولنعد إلى ما سلف ذكره منا فنقول : لو خلق إنسان دفعة واحدة ، وخلق متباين الأطراف ، ولم يبصر أطرافه ، واتفق أن لم يمسها ، ولا تماست ، ولم يسمع صوتا ، جهل وجود جميع أعضائه ، وعلم وجود إنيته شيئا واحدا مع جهل جميع ذلك. وليس المجهول بعينه هو المعلوم ، وليست هذه الأعضاء لنا فى الحقيقة إلا كالثياب التي صارت لدوام (٦) لزومها إيانا كأجزاء منا عندنا. (٧) وإذا تخيلنا أنفسنا لم نتخيلها عراة. بل تخيلناها ذوات أجسام كاسية ، والسبب فيه دوام الملازمة. إلا أنا قد اعتدنا فى الثياب من التجريد والطرح ما لم نعتد فى الأعضاء ، فكان (٨) ظننا الأعضاء أجزاء منا آكد من ظننا الثياب أجزاء منا. وأما إن لم يكن ذلك جملة البدن ، بل كان عضوا مخصوصا ، فيكون ذلك العضو هو الشىء الذي أعتقده أنه لذاته (٩) أنا ، أو يكون معنى ما أعتقده أنه أنا ليس هو ذلك العضو ، وإن كان لا بد له من العضو. فإن كان ذات (١٠) ذلك العضو وهو كونه قلبا أو دماغا أو شيئا آخر أو عدة (١١) أعضاء بهذه الصفة هويتها أو هوية مجموعها هو الشىء الذي أشعر به (١٢) أنه أنا ، فيجب أن يكون شعورى بأنا هو شعورى بذلك الشىء. فإن الشىء لا يجوز من جهة واحدة أن يكون مشعورا به وغير (١٣) مشعور به ، وليس (١٤) الأمر كذلك ، فإنى إنما أعرف أن لى قلبا ودماغا
__________________
(١) ذكره : ساقطة من ك
(٢) مواضع أخرى : موضع آخر د.
(٣) احتيج : احتج ك
(٤) لى : ساقطة من ك.
(٥) أيضا أنا أنا : أنا أيضا أنا ك ، م.
(٦) لدوام : لدوم د
(٧) عندنا : ساقطة من د.
(٨) فكان : وكان ك.
(٩) أنه لذاته : أنا ولذاته م.
(١٠) ذات : ساقطة من م.
(١١) عدة : عدم م.
(١٢) أشعر به : أشعرته ك ، م.
(١٣) وغير : غير د ، ك ، م
(١٤) وليس : ثم ليس د ، ك.