بالإحساس والسماع والتجارب ، لا لأنى أعرف أنى أنا ، فيكون إذن ليس ذلك العضو لنفسه الشىء الذي أشعر (١) به أنه أنا بالذات ، بل يكون بالعرض أنا ، ويكون المقصود بما أعرفه منى أنى أنا الذي أعنيه (٢) فى قولى : أنا أحسست وعقلت وفعلت ، وجمعت هذه الأوصاف شيئا آخر هو الذي أسميه أنا (٣). فإن قال هذا القائل : إنك أيضا لا تعرفه أنه نفس فأقول : إنى دائما (٤) أعرفه على المعنى الذي أسميه النفس ، وربما لا أعرف تسميته باسم النفس. فإذا فهمت ما أعنى بالنفس ، فهمت أنه ذلك الشىء ، وأنه المستعمل للآلات من المحركة والدراكة. وإنما لا أعرف ما دمت لا أفهم معنى النفس ، وليس كذلك حال قلب ولا دماغ فإنى أفهم معنى القلب والدماغ ولا أعلم ذلك ، فإنى إذا عنيت بالنفس أنه الشىء الذي هو مبدأ هذه الحركات والإدراكات التي لى ومنتهاها فى هذه الجملة عرفت أنه إما أن يكون بالحقيقة أنا أو يكون هو أنا مستعملا لهذا البدن ، فكأنى الآن لا أقدر أن أميز الشعور بأنا مفردا عن مخالطة الشعور بأنه مستعمل للبدن ومقارن (٥) للبدن. وأما أنه جسم أو ليس بجسم ، فليس يجب عندى أن يكون جسما ، ولا يتخيل هو لى جسما من الأجسام البتة ، بل يتخيل لى وجوده فقط من غير جسمية. (٦) فيكون قد فهمت من جهة أنه ليس بجسم ، فإذا (٧) لم أفهم الجسمية ، مع أنى فهمته. ثم إذا (٨) حققت فإنى كلما عرضت (٩) جسمية لهذا الشىء الذي هو مبدأ هذه الأفعال ، لم يجز أن يكون ذلك الشىء جسما ، فبالحرى أن يكون تمثله الأول فى نفسى أنه شىء مخالف لهذه الظواهر وأن تغلطنى مقارنة الآلات ومشاهدتها وصدور الأفعال عنها ، فأظن أنها كالأجزاء منى ، وليس إذا غلط فى شىء وجب له حكم ، بل الحكم لما يلزم (١٠) أن يعقل. وليس إذا كنت طالبا لوجوده (١١) ولكونه غير جسم فقد كنت جاهلا بهذا جهلا مطلقا ، بل كنت غافلا عنه. وكثيرا ما يكون العلم بالشيء قريبا ، فيغفل عنه ، ويصير فى حد المجهول ، ويطلب من موضع أبعد.
__________________
(١) أشعر به : أشعرته ك ، م.
(٢) أعنيه : أعينه م.
(٣) أنا : ساقطة من د.
(٤) دائما : وإنما ك.
(٥) ومقارن : وقارن د.
(٦) جسمية : جسميته ك.
(٧) إذا : إذ ك
(٨) ثم إذا : وإذا م.
(٩) عرضت : فرضت ك.
(١٠) يلزم : وجب م
(١١) لوجوده : الوجود م.