وربما كان العلم القريب (١) جاريا مجرى التنبيه ، وكان مع خفة المئونة فيه كالمذهوب عنه ، فلا ترجع الفطنة إلى طريقه لضعف الفهم ، فيحتاج أن يؤخذ فيه مأخذ بعيد.
فبين من هذا أن لهذه القوى مجمعا هو الذي تؤدى كلها إليه ، وأنه غير جسم وإن كان مشاركا للجسم أو غير مشارك. وإذ قد بينا صحة هذا الرأى (٢) فيجب أن نحل الشبه المذكورة.
أما الشبهة الأولى ، فنقول : إنه ليس يجب إذا كانت النفس واحدة الذات أن لا تفيض عنها فى أعضاء مختلفة قوى مختلفة ، بل من الجائز أن يكون أول (٣) ما يفيض عنها فى البزر والمنى قوة الإنشاء ، فتنشىء (٤) أعضاء على حسب موافقة أفعال (٥) تلك القوة. ويستعد كل عضو لقبول قوة خاصة لتفيض عنه ، (٦) ولو لا ذلك لكان خلق البدن معطلا لها.
وأما من تشكك فجعل النفس عالمة لذاتها (٧) فهو فاسد ، فإنه ليس يجب إذا كان جوهر النفس خاليا بذاته عن العلم أن يستحيل له وجود العلم. فإنه فرق بين أن يقال : إن جوهر الشىء باعتبار ذاته لا يقتضى العلم ، وبين أن يقال : إن جوهره بذلك الاعتبار يقتضى أن لا يعلم ، فإن لزوم الجهل مع كل واحد من القولين مختلف. فإنا وإن (٨) سلمنا أن النفس بجوهرها جاهلة ، فإنما نعنى أن جوهرها إذا انفرد ولم يتصل به سبب من خارج لزمه الجهل ، بشرط الانفراد مع شرط الجوهر ، لا بشرط الجوهر وحده. ولسنا نعنى بهذا أن جوهرها جوهر لا يعرى عن الجهل ، وإن لم نسلم ، بل قلنا : إن ذلك أمر عارض لها ، فليس يجب أن يكون مثل هذا العارض واردا على الأمر الطبيعى ، فإنه ليس إذا قلنا : إن الخشبة خالية عن صورة السريرية ، وأن ذلك الخلو ليس لجوهرها ، (٩) بل أمر عارض لها (١٠) جائز الزوال. كان هذا القول كأنك (١١) تقول : يجب أن يكون قد كانت فيه (١٢) صورة السريرية ثم انفسخت. (١٣)
__________________
(١) القريب : بالقريب د.
(٢) الرأى : ساقطة من د.
(٣) أول : أولا حسب موافقة أفعال د
(٤) فتنشىء : فتنشأ د.
(٥) حسب موافقة أفعال : ساقطة من د.
(٦) عنه : عنها ف.
(٧) لذاتها : بذاتها ك.
(٨) وإن : إذا ك ، م.
(٩) لجوهرها : بجوهرها ك
(١٠) لها : له د ، ك ، م.
(١١) كأنك : كأنا د.
(١٢) فيه : فيها ف
(١٣) ثم انفسحت : وانفسخت م.