ولا المزاج الذي يصلح للروح الباصر هو بعينه الذي يصلح للروح المحرك. ولو كان المزاج واحدا لكانت القوى المستقرة فى الروح واحدة وأفعالها واحدة ، فإذا كانت النفس واحدة فيجب أن يكون لها أول (١) تعلق بالبدن ، ومن هناك تدبره وتنميه ، وأن يكون ذلك بتوسط هذا الروح ، ويكون أول ما تفعل النفس ، يفعل العضو الذي بوساطته تنبعث قواها فى سائر الأعضاء بتوسط هذا (٢) الروح ، وأن يكون ذلك العضو أول متكون من الأعضاء وأول معدن لتولد الروح. وهذا هو القلب ، يدل على ذلك ما حققه التشريح المتقن ، وسنزيد هذا المعنى (٣) شرحا فى الفن الذي فى الحيوان.
فيجب أن يكون أول تعلق النفس بالقلب ، وليس يجوز أن تتعلق بالقلب ثم بالدماغ ، فإنها إذا تعلقت بأول عضو صار البدن نفسانيا ، وأما الثاني فإنما تفعل فيه لا محالة بتوسط هذا الأول. فالنفس تحيي الحيوان بالقلب ، لكن يجوز أن تكون قوى الأفعال الأخرى تفيض من القلب إلى الأعضاء الأخرى ، لأن الفيض يجب أن يكون صادرا من أول متعلق به ، فيكون الدماغ هو الذي يتم فيه مزاج الروح الذي يصلح لأن يكون حاملا لقوى الحس والحركة إلى الأعضاء حملا يصلح معه أن تصدر عنها أفعالها. وكذلك حال الكبد بالقياس إلى قوى التغذية ، ولكن يكون القلب هو المبدأ الأول الذي أول تعلقه به ومنه تنفذ إلى غيره ويكون الفعل فى أعضاء أخرى. كما أن مبدأ الحس عند مخالفى هذا القول إنما هو فى الدماغ ، لكن أفعال الحس لا تكون به وفيه ، بل فى أعضاء أخرى كالجلد وكالعين وكالأذن. وليس يجب من ذلك أن لا يكون الدماغ مبدأ ، كذلك أيضا يجوز أن يكون القلب مبدأ لقوى التغذية ولكن أفعالها فى الكبد. ولقوى التخيل والتذكر والتصور لكن (٤) أفعالها فى الدماغ ، بل ينبغى أن يكون المبدأ للقوى المختلفة غير صالح لأن يصدر عن معدنه جميع أفعالها ، بل يجب أن تتفرع فى آلات مختلفة تتخلق بعد ذلك العضو تخلقا وتفيض من ذلك العضو إليها قوة ملائمة لمزاج ذلك الفرع واستعداده ، على ما ستقف (٥) عليه فى ذكر الحيوان ،
__________________
(١) أول : ساقطة من م.
(٢) هذا : هذه م.
(٣) المعنى : الشىء ك.
(٤) لكن : ولكن د ، ك.
(٥) ما ستقف : ما تقف د.