كان يحس به أولا ، والمحسوس الأول بالسمع هو الصوت وهذا مما لا شك (١) فيه ، كان التموج من حيث هو تموج صوتا ، وقد أبطلنا هذا. (٢) ولو كان يحس به بتوسط الصوت ، لكان كل من سمع الصوت علم أن تموجا ، كما أن كل من أحس لون المربع والمربع (٣) بتوسطه علم أن هناك مربعا وليس كذلك ، وإن كان إنما يحس باللمس أيضا عرض منه ما قلنا. فإذن ليس بواجب أن يحس التموج عند سماع الصوت. فلننظر ما يلزم بعد هذا.
فنقول : إن الصوت كما يسمع تسمع له جهته ، (٤) فلا يخلو إما أن تكون الجهة تسمع لأن الصوت مبدأ تولده ووجوده فى تلك الجهة ومن هناك ينتهى ، وإما لأن المنتقل المتأدى إلى الأذن الذي لا صوت فيه بعد أن يفعل الصوت إذا اتصل بالأذن ينتقل من تلك الجهة ويصدم من تلك الجهة فيخيل (٥) أن الصوت ورد من تلك الجهة ، وإما للأمرين جميعا. فإن كان لأجل المنتقل وحده ، فمعنى هذا هو أن المنتقل (٦) نفسه محسوس ، فإنه إذا لم يشعر به كيف يشعر بجهة مبدئه. فيلزم أن يحس بالسمع عند إدراك جهة الصوت تموج الهواء. وقد قلنا : إن ذلك ليس بواجب وإن كان لأجلهما جميعا ، عرض من ذلك هذا المحال أيضا ، وصح أن الصوت كان يصحب التموج ، فبقى أن يكون ذلك (٧) لأن الصوت نفسه تولد هناك ومن هناك انتهى. ولو كان الصوت إنما يحدث فى الأذن فقط ، لكان سواء أتى (٨) سببه من (٩) اليمين أو اليسار ، وخصوصا وسببه لا يحس به. وهاهنا مؤثر فيه مثل نفسه فلا تدرك (١٠) جهته لأنه إنما يدرك عند وصوله فكيف ما لا حدوث له إلا عند وصول سببه. فقد بان أن للصوت وجودا ما من خارج لا من حيث هو مسموع بالفعل ، بل من حيث هو مسموع بالقوة ، وأمر كهيئة ما من الهيئات للتموج غير نفس التموج.
ويجب أن نحقق الكلام فى القارع والمقروع فنقول : إنه لا بد فى القرع من حركة قبل القرع وحركة تتبع القرع ، فأما الحركة قبل القرع فقد تكون من
__________________
(١) لا شك : لا يشك ف.
(٢) هذا : ساقطة من د.
(٣) والمربع : ساقطة من د.
(٤) جهته : جهة ف.
(٥) فيخيل : فيتخيل ك.
(٦) المنتقل : التنقل م.
(٧) ذلك : ساقطة من د.
(٨) أتى : أن ف
(٩) من : عن ف.
(١٠) فلا تدرك : قد لا يدرك ف ، م.