وليست هذه القسمة بمرضية ولا صحيحة ، فإن المضيء يرى لذاته فى الظلمة وفى الضوء جميعا. فإن اتفق أن كان الرائى فى الضوء الذي يفعله رؤى ، (١) وإن اتفق أن لم يكن فيه رؤى أيضا ، كالنار يراها الإنسان فى الضوء سواء كان ضوؤها أو ضوء غيرها ويراها فى الظلمة. وأما الشمس فإنما ليس يمكننا أن نراها فى الظلمة بسبب أنها حيث تكون مقابلة لبصر الرائى تكون قد ملأت العالم ضوءا ولم تترك مكانا وأما الكواكب فإنها إنما ترى فى المظلمة ، لأن (٢) ضوءها يقصر عن ضوء الشمس فلا تضىء الأشياء ولا تنورها ، بل لا يمتنع أن توجد فقد يمكن أن تكون ومعها ظلمة فترى فى الظلمة لا لأن الظلمة سبب لأن ترى هى بالذات ، بل يجب أن يعلم أن بعض الأنوار (٣) يغلب بعضا حتى لا يرى ، كما أن ضوء الشمس يغلب ضوء النار الضعيفة وضوء الكواكب فلا ترى (٤) مضيئة عند ضوء (٥) الشمس فلا ترى ، لا لأجل الحاجة فى رؤيتها إلى الظلمة ، بل للحاجة إلى أن تكون فى أنفسها مضيئة غير مظلمة بالقياس إلى أبصارنا. فإذا كانت الشمس غائبة ظهرت ورؤيت ، لأنها صارت مضية بالقياس إلى أبصارنا والحال (٦) فى أبصارنا. وربما كان حكم النار والقمر عند ضوء ما هو أضعف منهما هذا الحكم بعينه. ويجب فى ذلك الضوء أن لا يكون موجودا (٧) بالقياس إلينا عند ظهور نار أو قمر ، فيلزم أن تكون ظلمة حتى يظهر ، أو يلزم أن لا يكون باهرا (٨) حتى يرى ويتمكن البصر من إدراكه. وأنت تعلم أن الهباء الذي فى الجو ليس من جنس ما لا يرى المستنير منه إلا فى الظلمة ، لكن إن كان الإنسان فى الظلمة وقد وقع على هذه الهباءات شعاع الشمس أمكن أن ترى تلك الهباءات ، وإن (٩) كان الإنسان فى الشعاع لم يمكن ، وذلك لأمر فى بصر الإنسان لا لأمر (١٠) فى ضوء الهباءات ، فإن بصر الإنسان إذا
__________________
(١) رؤى (الأولى والثانية) : رأى ك ، م.
(٢) لأن : أن م.
(٣) الأنوار : الألوان م.
(٤) فلا ترى (الأولى) : ولا ترى ك
(٥) ضوء : ساقطة من ف.
(٦) ولحال : والحال م.
(٧) موجودا : موجود د ؛ موجودة م.
(٨) باهرا : باهر د ، ف.
(٩) وإن : إن م.
(١٠) لا لأمر : لا أمر م.