مما جعل كل محتوياته تكون مفضوحة وبالتالي عرضة للمشاهدة. إن هذا الانفتاح التام ، وما يترتب عنه من كشف عن أفراد العائلة وممتلكاتهم الموجودة داخل البيت حتى تكون عرضة للمشاهدين ، ليعتبر ظاهرة جديدة تختلف تماما عن الحماية التي توفرها الجدران المحيطة بالحياة العائلية في المغرب. وبعبارة أوضح ، فإن المفاهيم المتعلقة بجوانب الحياة العائلية الخاصة لا بد من مراجعتها في الإطار الخاص بفرنسا.
إن قدرة الصفار على إدراك الحدود المجالية قد ارتبكت بشكل أكبر حينما بدأ استكشافه لمختلف جوانب الممارسات الاجتماعية. وعلى سبيل المثال ، أعجب محمد الصفار بالحمام فقدم عنه وصفا مطولا حين قال : «وفيه أيضا كذالك بيوت أخر من الخشب هي حماماتهم هنالك معدة للاستحمام بداخلها بيوت صغار بأغلاقها. وفي كل بيت حوض يملأ بالماء سخنا أو باردا أو بهما ليعتدل ... وهذا حمامهم ، وليس عندهم حمام على شكل حماماتنا» (١). وهناك جوانب أخرى أكد الصفار من خلالها على مدى خاصية الانعزال المحيطة بعملية الاستحمام فقال : «وذلك البيت مضى بطاقة كبيرة لها غلف من الزجاج ، عليه من داخل ساتر رقيق يمنع التكشف ولا يحجب الضوء» (٢). ويمكن المرء أيضا الاستحمام في غرفته ، فيطلب من الخدم إتيانه بالماء. وبعبارة أخرى ، فإن الحمام عند الفرنسيين مسألة خاصة صرفة ، تدخل ضمن تلك اللائحة المقتضبة من الأنشطة الجسدية الواجب على الفرد القيام بها بمعزل تام عن الآخرين إما من باب الحياء وإما من باب التواضع.
أما في المغرب ، فإن الحمام يمثل فضاء مختلفا تماما عن كل هذا : إذ يتم الاستحمام في غرفة واسعة ومفتوحة لا توجد بها أية جدران تفرق بين مهاجع صغيرة وفردية. كما يمكن أن يستغرق الساعات الطوال ، ويشكل حدثا اجتماعيا مهما للفرد خلال يومه ذلك (٣). وقد يتبادل الناس الأخبار والوقائع المثيرة داخل الحمام ، كما قد يتحدثون فيه عن قضايا التجار والمال ، أو يضربون فيه المواعيد لتنفيذ بعض المشاريع البسيطة أو الهامة. أي أن طقوس الحمام تمثل تجربة اجتماعية جذابة للرجال والنساء على السواء ، رغما عن كونها تتم في جو من التفرقة الجنسية بين
__________________
(١) انظر الصفحات اللاحقة من هذا الكتاب.
(٢) نفسها.
(٣) Rackow ,Beitr ge ,p.٧.