ليعتبر من أصعب تجارب الرحلة عليه. فلا بد من أن يتوصل الرحالة إلى الاستئناس بها عن طريق التعلم أو من خلال الأمثلة ، وكل فشل في تعلمها يمكن أن تترتب عنه معاناة وحيرة شديدة. وجل الذين سافروا إلى الخارج لا بد من أن تكون لديهم حكاية واحدة على الأقل ، تتعلق بسوء فهم ثقافي ناتج عن خطأ في تأويل تلك الرموز التي تشكل الحدود الفاصلة بين الثقافات.
وصادف الصفار ، أثناء وجوده في فرنسا ، صعوبات في فهم طبيعة العلاقات القائمة على مستوى المجال المجتمعي. وعلى سبيل المثال ، قدم لنا وصفا لأحد المنازل الفرنسية النموذجية فقال : «وأما أشكال دورهم فإنها مخالفة لشكلنا ، فإن دورهم ليست بالساحة والفوقي والسفلي والبيوت والغرف كما عندنا ، فإنهم يتركون ساحة الدار خارجة عنها مرفقا لها لوقوف نحو الكراريص والدواب ... وتلك البيوت ... وكلها لها طاقات كبارا جدا منها تضيء ، تشرف على الأسواق والشوارع» (١). إن التناقض الموجود بين محتوى هذا الوصف والدار المغربية التقليدية مثير جدا للاهتمام : إذ لا نجد في المغرب نوافذ لتوفير إمكانية الإطلال على الشارع ، كما أنه ليست هنالك نقطة معينة يمكن من خلالها ، وانطلاقا من الخارج ، مشاهدة ما هو بداخل الدار. ذلك بأن الجزء الداخلي للدار يعتبر مكانا خصوصيا صرفا ، وتشكل فيه الساحة التي تتوسط الدار مجالا تجري بين أحضانه مختلف مظاهر الحياة العائلية ، ولا سبيل لوجود مكان لوقوف الدواب. وبعبارة أخرى ، فإن المجال بداخل المنزل المغربي يشكل رابطة قوية بين تداخلات اجتماعية كثيفة تفتقدها فرنسا (٢).
ويشكل فناء الدار في المغرب مجالا يمكن للأجنبي عن البيت الوقوف فيه دون انتهاك حرمته الداخلية ، ودون إحراج النساء اللواتي لا يرغبن في الظهور أمامه. وكان ولوج الصفار إلى إحدى الدور الفرنسية مباشرة دون حاجة إلى المرور عبر ساحتها تجربة فريدة لم يعرفها من قبل. علاوة على ذلك ، فقد وجد بعد ولوجه إلى الدار أن داخلها مفتوح تماما على الخارج بفعل وجود نوافذ كبيرة ، والضوء يغمر أرجاء البيت الداخلية ،
__________________
(١) انظر الصفحات اللاحقة من هذا الكتاب.
(٢) انظر التصميم الخاص بإحدى الدور التطوانية النمودجية في المرجع الآتي :
Ernst Rackow, Beitr ge zur Kenntnis der Materiellen Kultur Nordwest ـ Marokkos : Wohnraun, Hausrat, Kostچ m) Wiesbaden, ٨٥٦١ (, p. ٥ and Tafel ٤.