اعتبرها الصفار نافعة ومفيدة ، وأنه سلم بمدى تفوق الفرنسيين في الميادين ذات الصلة بقضايا التكنولوجيا ومختلف مظاهر الحياة اليومية. ولكنه يلاحظ ، على المستوى الديني ، أنهم لا زالوا يعيشون في الكفر ، فقال في هذا الصدد تاليا قوله تعالى في سورة الروم :؟ (يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا ، وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ)؟ (١). إذ من الممكن أن تكون علومهم مثيرة للإعجاب ، وطرق معاملاتهم عالية المستوى ، وبيوتهم نظيفة. لكن يوجد لديهم على المستوى الأخلاقي صدع كبير يعسر ترميمه : ألا وهو فساد إيمانهم بملكوت الله. ولا يتعلق الأمر هنا فقط بمجرد تصريح حذر بالولاء بقدر ما هو تعبير صريح عن إيمان عميق. ولم ينفرد الصفار عن غيره بتصريحه العلني بولائه للإسلام في الفقرات الأخيرة من رحلته ، لأن غيره من الرحالة إلى المشرق سلكوا نهجا مماثلا : «إن كل شيء في طريقة تفكيرهم يدفع بهم إلى التنكر للواقع ، أو على الأقل إلى عدم الاعتراف به. ويبدو أنهم يريدون القول بأن هذا عالمكم ، أما عالمنا فهو مختلف عن ذلك» (٢).
ويقودنا هذا إلى نقطتنا الأخيرة. إذ يمكن قراءة رحلة الصفار ـ وغيرها من كتب الرحلات العربية التي يعود تاريخها إلى الحقبة نفسها ـ بطرق عديدة. أولا ، فهي مصادر إخبارية ذات فائدة لإعادة بناء تصورات خاصة للواقع ، إذ تكون بمثابة خزان تودع فيه الوقائع لوضع المشاهد المتباعدة في الزمان والمكان في إطارها الحقيقي. ثانيا ، وكما سبقت لنا ملاحظة ذلك ، يقدم لنا هذا الصنف من الكتابة نظرات خاطفة عن التجربة الإنسانية خلال الرحلة ، وتتيح فرصة المشاركة في تلك اللحظات التي يقع فيها الاتصال بين الرحالة والعالم الخارجي والتي تضيء المشاعر الداخلية المواكبة للرحلة. لكن هناك أيضا بعدا ثالثا تحققه كتابات الرحلة ، وتصبح له معان خاصة
__________________
(١) انظر الصفحات اللاحقة من هذا الكتاب
(٢) ٢٢٨.Laroui ,Origines ,p ، وكانت ظاهرة «الإنكار» أيضا من المميزات الخاصة التي كانت ترد في روايات الحج لدى مسيحيي العصر الوسيط ، حيث كانت الرغبة في التعرف على الأشياء الغريبة من الأشياء «المسيئة إلى سمعة الحج» ؛ لأن الحاج المسيحي «المثالي» هو الذي يقوم برحلته «وعيونه متجهة صوب الأرض» ، حسب ما جاء عند هو وارد في كتابه :
D. R. Howard, Writers and Pilgrims : Medieval Pilgrimage Narratives and Their Posterity) Berkeley, ٠٨٩١ (, pp. ٣٢ ـ ٤٢.