بدأنا برحلة ، وقلنا إننا سنختم معا مائة رحلة ، أما وقد وقفنا على أعتاب الكتاب المائة فأي معجزة هذه ... ولم يمض على مشروع «ارتياد الآفاق» أربعة أعوام؟!
إنني لأحيي أولئك المغامرين القدامى من أبطال الرحلة ، فرسانا امتطوا صهوات الجياد واقتحموا غمار الموج ، سالكين دروب الدهشة والخطر ؛ وأتطلع بفرح غامر إلى هذه الكوكبة الجديدة من الرحالة المعاصرين ، الذين واكبوا مشروع «ارتياد الآفاق» وتألقوا في مسالكه. أطالع عشرات الأسماء والعناوين التي تزدان بها أغلفة الكتب ، وهي تنقلنا بين المدن والبلدان والقارات ، هؤلاء هم غواصو لآلئ الرحلة العربية ومبدعو أدبها الروائي الجميل. إنهم ثروة الأمة من الناظرين في كل جهات الأرض ، وسفراؤها إلى العالم ، العائدون بالرؤى والمعارف والخبرات ، أهل المشاهدة وأهل الحوار مع الآخر بصفته أنا أخرى وشريكا على هذا الكوكب.
في أسواق المدن وأكشاك المطارات والموانئ ومحطات القطار نمر بألوان من كتيبات السياحة وصور المنتجعات وإعلانات الفنادق وشركات السفر. هذا شيء آخر غير أدب الرحلة ؛ واليوم ، فإن المكتبات الحديثة المنتشرة بين المدارس والجامعات والمراكز الثقافية لم يعد في مقدورها أن تستغني عن كنوز أدب الرحلة وروائعها ، بل أفردت لها رفوفا خاصة بها.
الرحلة ، كما آلت إليه ، سفر في الأرض وسفر في المخيلة ، وبالتالي فإن نصوصها مغامرة في اللغة وفي الوجود.
* * *
تهدف هذه السّلسلة بعث واحد من أعرق ألوان الكتابة في ثقافتنا العربية ، من خلال تقديم كلاسيكيّات أدب الرّحلة ، إلى جانب الكشف عن نصوص مجهولة لكتاب ورحّالة عرب ومسلمين جابوا العالم ودوّنوا يوميّاتهم وانطباعاتهم ، ونقلوا صورا لما شاهدوه وخبروه في أقاليمه ، قريبة وبعيدة ، لا سيما في القرنين الماضيين اللذين شهدا ولادة الاهتمام بالتجربة الغربية