من موقعه الأدنى على هامش الحضارة الحديثة ، المتحسّر على ماضيه التليد ، والتّائق إلى العودة إلى قلب الفاعلية الحضارية.
إن أحد أهداف هذه السّلسلة من كتب الرحلات العربية إلى العالم ، هو الكشف عن طبيعة الوعي بالآخر الذي تشكّل عن طريق الرحلة ، والأفكار التي تسرّبت عبر سطور الرّحالة ، والانتباهات التي ميّزت نظرتهم إلى الدول والناس والأفكار. فأدب الرحلة ، على هذا الصعيد ، يشكّل ثروة معرفيّة كبيرة ، ومخزنا للقصص والظواهر والأفكار ، فضلا عن كونه مادة سرديّة مشوّقة تحتوي على الطريف والغريب والمدهش مما التقطته عيون تتجوّل وأنفس تنفعل بما ترى ، ووعي يلمّ بالأشياء ويحلّلها ويراقب الظواهر ويتفكّر بها.
* * *
أخيرا ، لا بد من الإشارة إلى أن هذه السّلسة التي شارفت اليوم على المائة كتاب أسست ، وللمرة الأولى ، لمكتبة عربية مستقلّة مؤلّفة من نصوص ثريّة تكشف عن همّة العربيّ في ارتياد الآفاق ، واستعداده للمغامرة من باب نيل المعرفة مقرونة بالمتعة ، وهي إلى هذا وذاك تغطي المعمور في أربع جهات الأرض وفي قارّاته الخمس ، وتجمع إلى نشدان معرفة الآخر وعالمه ، البحث عن مكونات الذات الحضارية للعرب والمسلمين من خلال تلك الرحلات التي قام بها الأدباء والمفكرون والمتصوفة والحجاج والعلماء ، وغيرهم من الرّحالة العرب في أرجاء ديارهم العربية والإسلامية.
* * *
ختاما ، أحيي رحالة من طراز آخر ، أولئك المثقفين المبدعين القائمين على مشروع ارتياد الآفاق والعاملين فيه والمتحلقين حوله من الباحثين الذين استكشفوا هذه المنطقة المطموسة والمغفلة من ثقافتنا العربية بقدرات المغامرين من العلماء ودأب المستكشفين ، فالتمسوا المخطوطات والنصوص النادرة في مكتبات العالم ورجعوا بها كما يرجع الغواصون باللآلئ ، وسهروا على فك رموزها وتحقيقها وإخراجها إلى النور ليكون لنا من وراء جهودهم