معين. وهم إذا ظفروا بحاجة ملك أو كبير أو شيء غريب ، حافظوا عليه وتركوه في خزائنهم عبرة إلى آخر الدهر ، ولم يضيعوه ولا يفرطون فيه. وكثير من سكك القدماء منها ما هو من مثل الحجر أو الحديد ، ومنها غير ذالك ، وكل سكك ملوك الأندلس وملوك المغرب. وكل سكة موضوعة في دارة صغيرة مكتوب عليها اسم سلطانها ومحلها ، فهي منزلة في مثل بيوت الجدول غطيت من فوق بزجاجة لتحفظها. وهناك كثير من أشكال مفاتح الأولين وأثاثهم ، من جملتها قدح من الذهب مرتفع على ساق صغير مرصع بالجواهر والأحجار ، زعموا أنه كان لهارون الرشيد (١) أرسله لهم مكافأة على مصحف كان عندهم ، وبعث له به سلطانهم. وكثير من مئاثر اليونانيين ، وما كانوا يجدونه من قلائد الذهب في قبور الجاهلية (٢) التي كانوا يدفنونها معهم ، إلى غير ذالك من الأمور.
ومن بعد الغد أمر لنا السلطان بسرد العساكر ، واستدعانا للفرجة فيها مبالغة في إكرامنا والاعتناء بنا ظاهرا ، لأنه لا يفعل ذالك إلا لمن هو عنده في حظوة ، وزيادة في تبكيتنا والتنكيت علينا باطنا (٣). فذهبنا حتى وصلنا إلى دار كبيرة ، فأركبوا رءيسنا وبعض فرسانه على الخيل ، وأطلعوا باقينا لعالي تلك الدار ، فأشرفنا على ميدان كبير واسع ممتد ، والعسكر واقفون به يمينا وشمالا ، الخيل لجهة والرجالة في جهة. ولا ترى إلا بريق السيوف ولمعان التوافل ، وإشراف البيضات التي على رءوس البعض منهم ،
__________________
(١) هو خامس الخلفاء العباسيين (توفي في ١٩٣ / ٨٠٩) ، اتسعت شهرته بفضل كتاب ألف ليلة وليلة. وترددت أقوال عن تبادل السفراء والهدايا بين هارون الرشيد وملك فرنسا شارلمان (Charlmagne) غير أن المصادر العربية لا تتضمن أي معلومات يمكن اعتمادها لتأكيد صحة تلك الأقوال. انظر :
Hitti, History of the Arabs, p. ٨٩٢; EI ٢; s. v." Harun Al ـ Rachid".
(٢) تطلق لفظة الجاهلية للحديث عن مختلف مظاهر الحياة التي كان يوجد عليها العرب قبل الدعوة الإسلامية. وقد استعملها الصفار هنا بمعنى العهود التاريخية القديمة. انظر : SEI ,s.v."Djahiliya ".
(٣) أجري ذلك الاستعراض يوم السبت ١٧ يناير ١٨٤٦ ، في موضع يسمى شان دومارس (Champs ـ de Mars). وقد جمعت الفرق العسكرية من باريز وضواحيها لإعطاء صورة إلى السفير المغربي «عن مختلف أنواع الأزياء العسكرية الفرنسية العجيبة» ، فتحركت تلك الفرق «بدقة متناهية أدت إلى استغرابه الكلي وأثارت كل إعجابه». انظر جريدة الإلوستراسيون L\'illustration : ، بتاريخ ٣١ يناير ١٨٤٦ ، وانظر أيضا اللوحة رقم ٩ في هذا الكتاب.