الحجر والحديد.
ثم انصرفنا عن هذا ووقفنا في موضع آخر ، فرأينا فيه لوحة مجوفة وفي داخلها حركة. ويمتد من جانبيها خيطان فيهما ليّ وتجعيد كأنهما من سلك الحديد ، لفّ عليهما خيوط أخر من الحرير أو نحوه ، وفي طرف هذين الخيطين قنوطتين صغيرتين من نحاس ، فإذا حركت الحركة التي في باطن اللوحة حدث في الخيطين ارتعاد واضطراب ، فإذا أمسك شخص القنوطتين اللتين في طرف الخيطين مع تلك الحركة ، ارتعدت عروق يده من داخل ارتعادا لا يقدر أن يصبر معه ، فيرسلهما من يده في حينه. وزعموا أن تلك الحركة تمتد ما امتد الخيطان ولو إلى أقصى البلاد ، فمن أمسكهما وحركت الحركة ارتعدت عروق يده ولو كان بينه وبينها مسافة بعيدة. وفائدة ذالك الإعلام بالخبر كما سيأتي قريبا.
ثم عمد شخص منهم إلى لوحة في وسطها جعبة صغيرة نافذة ، ولها طراشة (١) تغلق بها وتفتح ، فجاء بزجاجة على شكل قادوس صغير إلا أنها غير نافذة ، فقلبها على اللوحة وصارت تلك الجعيبة في وسطها ، وأحكم إنزال الزجاجة على اللوحة بحيث لم يبق من بين حواشيها وبين اللوحة متنفس ، ثم فتح تلك الجعيبة وأطلع فيها النفس بئالة حتى ريء بخاره خارجا من فم الجعبة يدور داخل الزجاجة وينزل إلى تحت. ثم أغلق الجعبة واستحكم ذالك النفس داخل الزجاجة ، فلزقت الزجاجة مكانها حتى لا يقدر أحد أن يرفعها ، ولو استعان بغيره من ثقل الهواء الذي هو داخلها ، حتى يتنفس ذالك الهواء وحينئذ ترتفع. وذالك عندهم مثال لكون الهواء إذ لم يجد منفذا ، فإنه يثقل على ما نزل عليه ثقلا لا يقدر معه على النهوض والتحرك.
ثم انصرفنا من هذا الموضع فوقفنا في موضع آخر ، فأتى شخص بلوحة من نحاس صغيرة ، وشدها بلولب يدخل في وسطها وتنزل عليه مرتفعة عن الأرض حتى لا يبقى لها الطنين ، ثم درّ عليها رملا أسود رقيقا وعمد إلى قوس كقوس الكمنجة وأصلحه وجعل يجر على حرف تلك اللوحة فيسمع لذالك صوت حاد. وجعل ذالك الرمل يضطرب وتحدث له أشكال ودوائر كأنما صنعت باليد ، ولا يصنعها
__________________
(١) سبق شرح معناها في الهامش رقم ٥٤ في الصفحات السابقة من هذا الكتاب.