فأول ما لقينا فيها دائرة مربعة من قنانيط صفر واقفة على سوقها ويتصل بها غير ذالك من الحركات من أعلاها (١). وفي وجه منها زجاجة كبيرة على شكل دائرة الناعورة تحرك تلك الزجاجة بيد كيد الناعورة ، فتدور كما تدور الناعورة. فإذا دورت هذه الزجاجة وقرب شخص يده من تلك القنانيط ، خرج له منها مثل البرق في لونه وسرعته. إلا أنه نقط نقط مترادفة ، فتؤثر في يده كأنما ضرب بشيء يؤلمه ضربة سريعة ، لاكن لا يبقى لها بعد ذالك أثر وجع ولا غيره كما يبقى من أثر الضرب الحقيقي.
وأعجب من هذا ، أنه وقف شخص في حال تدوير الزجاجة ، فأمسك بيده كرة من صفر متصلة بالقنوطة المواجهة للزجاجة ، فجعل شعر رأسه ينتفش ويقف شعرة بعد شعرة ، وأمسك تلك الكورة بيده اليمنى ، ومد يده اليسرى متباعدة منه ، فقرّب شخص منها يده ، فخرج له من تلك اليد الممدودة ذالك البرق الذي كان يخرج أولا من القنانيط. مع أن الماسك لا يتأثر بشيء من ذالك ولا يخرج له ، ولا يقال إن للواقف الماسك حيلة في عدم تأثره بذالك ، فإنه وقف واحد منا وأمسك تلك الكرة بيده فلم يتأثر بشيء. وقرب منه شخص آخر ، فخرج له من يده نقط النار المذكورة. وتلك القنانيط مسدودة من كل جهة ، ويزعمون أن ذالك مثال لبرق السماء ، وأنه ينشأ عن انضغاط الهواء بعضه ببعض ، كما تنشأ النار عن الانضغاط الواقع بين
__________________
وكان الصفار نفسه شديد الاهتمام بعلوم التوقيت كما يخبرنا بذلك محمد داود ، تطوان ٧ : ٩٣. وسبق للفقيد الأستاذ محمد المنوني أن أطلع سوزان ميلر على نسخة لمخطوط تحت عنوان : نصرة بعض المتأخرين لمحراب مسجد القرويين ، مكتوب بخط محمد الصفار ، وهو في موضوع اتجاه القبلة بجامع القرويين في فاس ، وزارة الثقافة ، جائزة الحسن الثاني للوثائق والمخطوطات لسنة ١٩٧٣ ، رقم ٢٢٠.
(١) استعمل الصفار لفظة «حركة» بمعنى قوة محركة ، إشارة بذلك إلى مختلف الأشكال الجديدة والغربية لأنواع الطاقة الكهربائية والبخارية والميكانيكية المستخدمة وقتئذ لتشغيل عدة آليات في فرنسا. أما لفظة «قنوطة» ، فأصلها من الإسبانية (canete) ، وتعني في اللهجة الدارجة التطوانية البكرة من الخشب أو القصب التي يكبب فيها الخيط أو الحرير بشكل يجعل استعمالها هينا عند الحاجة. الخطابي ، مشاهدات ، ج ٢ ، ص. ٤٣ ، الهامش ١٧. وهنا يقدم الصفار وصفا مفصلا لتجربة في الكهرباء السكونية.