عليه وسلم ، وأحد أعلام سلاطين الأسرة العلوية التي حكمت المغرب خلال فترة تجاوزت قرنين من الزمن ـ متعطشا هذا التعطش لقراءة ما دونه محمد الصفار في رحلته من أخبار؟ قد يكون من بين تلك الأسباب ، أن السلطان كان يتوقع العثور في الصفحات التي ملأ الصفار سطورها بشكل مكثف على أجوبة قد تشفي غليله حول بعض التساؤلات المحيرة التي كانت تشغل باله بصفة لا تخلو من الإزعاج : أين يكمن سر قوة الفرنسيين؟ كيف تمكنوا من الوصول إلى ذلك المستوى من القوة؟ كيف استطاعوا قهر الطبيعة وإحكام قبضتهم على مسارها بطرق وأساليب ما زالت خافية عنا؟ كيف يعيش الفرنسيون حياتهم اليومية ، وكيف يربون أبناءهم وخدامهم؟ ما هي أحوالهم التعليمية ، وكيف يسلون أنفسهم ويروحون عنها ، وماذا يأكلون؟ وباختصار ، ما هو وضع حضارتهم ، وما هي أوجه اختلافها عن حضارتنا؟
تكمن أهمية رحلة الصفار في قدرة كاتبها على تقديم أجوبة عن مثل هذه الأسئلة ، وعلى تسجيل تجربته في صور دقيقة الرسم وذات عمق إنساني. وكانت له القدرة على فتح نافذة على عالم بعيد عن عالمه هو ، ونقل مشاهدته إلى غيره. ومن خلال وصفه الدقيق لما هو جديد ، ويكاد يكون كل شيء جديدا ، نحس بنسيج اللقاء الثقافي : وبقراءتنا لما دونه عن رحلته ، نجد أنفسنا أمام فرصة نادرة تتاح لنا لتقمص شخصية أحد رجال الفكر المغاربة في لحظة حرجة تمتحن معتقداته ومشاعره وتوجهاته.
إن «موعد» الصفار مع الجديد ، على حد تعبير بارت (Barthes) ، يحدث مواجهة أكبر حجما مجد خلالها تجربته مرات عديدة. وتمثلت خلفيات رحلته في أحداث ووقائع أدت ، بشكل عميق ، إلى قلب التصور الذي كان لدى النخبة الحاكمة في المغرب عن قوتها إزاء الغرب رأسا على عقب. وفي الواقع ، كانت الرحلة في حد ذاتها جزءا من ذلك المجهود الذي استهدف القيام بمحاولة لتصحيح الخلل والتبصر بمعرفة الأسباب الكامنة وراء الإخفاقات والفشل. وقد تميز العصر الذي عاش فيه كاتب الرحلة بالقلق الذي انتاب المغاربة من قدرتهم على مواجهة الغرب المتحكم في جميع مقومات التفوق العسكري. كما تميز أيضا بوجود تخوفات كبيرة من وقع القضايا الخارجية وخطورة تأثيرها على الأحوال الداخلية لنظام اتسم بهشاشته. وكانت هذه القضايا العريضة مطروحة مسبقا قبل الرحلة ، وقد تم صبها في قالب اكتسى دلالات تاريخية ذات أهمية بالغة. وحتى تفهم الرحلة ، يجب علينا أن نضعها في إطارها التاريخي والزمني.