حاولوا البحث من الداخل ، عن مرشد يرشدهم إلى الكيفية التي يجب أن تتم بها ردود الفعل على التهديدات الفرنسية القادمة من الجزائر. غير أن عناصر أخرى داخل الجهاز المخزني ، كانت ترى أن ذلك الاتجاه المستمد لعناصره من السلف ، لم يصبح ملائما لمستجدات العصر ، وأن الحاجة أصبحت ماسة للبحث عن معلومات ومعطيات جديدة. إن أبواب المخزن كانت ما تزال مفتوحة وقابلة لأن تتسرب منها بعض التصورات والأفكار الجديدة. ومنذ أواسط أربعينيات القرن التاسع عشر ، بدأ نوع من الرغبة في معرفة أحوال أوربا ينتاب بعض العناصر القليلة ذات النفوذ داخل الجهاز المخزني. وإذا لم تكن قد صارت من دعاة الإصلاح بمعناه الدقيق ، فإنما أصبحت تتحمس إلى «البحث» و «المشاهدة والسماع» (على حد تعبير الصفار) لما يمكن للغرب أن يقدمه من أشياء جديدة (١). ولعل هذا الفضول كان قد استمد وجوده من تقارير الرحالة الأوربيين والمغاربة وغيرهم من المسلمين ، الذين نقلوا أخبارا عن التحولات العلمية والتقنية العظمى التي تحدث في مختلف أرجاء أوربا. بل لعله كان بسبب ظهور كتب الرحلات كرحلة المصري رفاعة الطهطاوي إلى باريز التي وجدت طريقها إلى مكتبة ابن إدريس وزير السلطان (٢) ؛ بل الآكد أنه جاء نتيجة الهزيمة العسكرية. في بداية الأمر ، بدا أنه من الممكن الخلوص انطلاقا من هذه المصادر ، إلى أنها هي التي كانت وراء ظهور فكرة إرسال بعثة إلى أوربا لمعاينة مظاهرها الحضارية. لكنها كانت فكرة مليئة بالتناقضات ومشحونة بكثير من مظاهر الريبة والشكوك. ومع ذلك ، تبين في نهاية المطاف أنها فكرة حان موعد إدخالها حيز التنفيذ.
__________________
هذه الأمة ، مخطوط بالخزانة العامة بالرباط ، تحت رقم ١٢٨١D. نشر أيضا في المطبعة الحجرية بفاس ، دون تاريخ ، وذكره المنوني في كتابه مظاهر ١ : ١٣ ـ ١٥. وأيضا عند العروي :
A. Laroui, Les origines sociales et culturelles du nationalisme marocaine) ٠٣٨١ ـ ٢١٩١ () Paris, ٧٧٩١ (, pp. ٦٧٢ ـ ٨٧٢.
(١).Laroui ,Origines ,pp.٣٧٢ ـ ٤٧٢ ,٨٧٢
(٢) عن هذه الإشارة إلى خزانة ابن ادريس ، انظر الصفحة ٢١٥ من المرجع المذكور في الهامش السابق رقم ١٦. أما عن الطهطاوي ، فانظر الهامش رقم ١٢٧ فيما سيأتي.