ثم بدأت فرنسا تسعي في صنع السلام ، فكتب الجنرال بيجو ما يلي : «الآن يمكننا أن نكون كرماء دون أن نكون ضعفاء ، لأننا ضربناهم بقوة» (١). وأدى إبرام اتفاقية طنجة في شتنبر / أيلول ١٨٤٤ ، ومعاهدة لالة مغنية في شهر مارس / آذار اللاحق ، إلى تعزيز النجاح الذي حققه الفرنسيون ، في حين كان الثمن الذي دفعه السلطان مقابل كل ذلك غاليا جدا (٢). إذ كان عليه أن يوافق على قبول التعاون مع الفرنسيين في القبض على الأمير عبد القادر ، والدخول في مفاوضات لرسم حدود جديدة مع الجزائر. وبذلك وجد السلطان نفسه مرغما دفعة واحدة ، على التخلي عن معارضته للفرنسيين ، والتسليم بوجوده على التراب الجزائري ، وهو اعتراف حقيقي بواقع لم يكن موجودا من قبل.
وفي غضون ذلك ، حاول المخزن أن يضع حدا للكارثة. وتؤكد الكتابات المعاصرة ـ حسب ما جاء عند محمد المنوني ـ على ما تميز به رجال المخزن المركزي والعلماء وقتئذ ، من تخبط في الحيرة وعجز عن التفكير السليم (٣). وترتب عن ذلك بروز اتجاهين اثنين : تمثل أولهما في النداء الموجه للقيام بالجهاد. والثاني ، في محاولة للبحث في النصوص التقليدية ، عن تفسيرات لفهم أسباب وقوع تلك الكارثة (٤).
ويوحي كلا الاتجاهين ، على الأقل ، بوجود بعض من عناصر النخبة الذين
__________________
(١) ورد ذلك عند : Cosse؟ـ Brissac ,Rapports ,p.٦٩.
(٢) يوجد نص هذه الاتفاقية والمعاهدة أعلاه في :
H. M. P. de la Martinie؟re et N. Lacroix, Documents pour servir l\'e؟tude du nord ـ ouest african, ٤ vols.) Alger, ٤٩٨١ ـ ٧٩ (, ٢ : ٧١٥ ـ ١٢٥.
(٣) المنوني ، مظاهر ١ : ١٣.
(٤) عبر عن الاتجاه الأول من خلال قصيدة تحميسية من نظم الوزير ابن إدريس مطلعها :
يا أهل مغربنا حق النفير لكم |
|
إلى الجهاد فما في الحق من غلط |
المنوني ، مظاهر ١ : ٢٠ ؛ وأيضا :
M. Lakhdar, La vie litte؟raire sous la dynastie Alawide) Rabat, ١٧٩١ (, pp. ٦١٣ ـ ٧١٣, ٧٢٣ ـ ٥٣٣.
أما الاتجاه الثاني ، فيمكن تلمسه عبر تأليف وضعه أحد علماء فاس محمد بن عبد القادر الكيلاني المعروف بالفقيه الكردودي ، تحت عنوان : كشف الغمة ببيان أن حرب النظام حق على