تجربة لتكون تجربة حقيقية على درب التحولات. لكن بعد قضاء خمسين يوما في الخارج ، لم يخف اشتياقه إلى مدينته تطوان وإلى بيته بقوله : «معاهد أنسنا ومطاب عيشنا ومسقط رؤوسنا وعش أفراخنا ومثار نشاطنا وأفراحنا» (١).
وبعد أن عاد الصفار إلى تطوان ، استأنف مزاولة مهام العدلية ، وإلقاء الدروس في الجامع ، إضافة إلى قيامه بمهمة الكتابة في خدمة الباشا عبد القادر أشعاش (٢).
وفوق هذا وذاك ، انهمك محمد الصفار في تحرير رحلته لتقديمها كتقرير مفصل ليرفع إلى حضرة السلطان. وبعد أن أتم الصفار ذلك العمل الشاق ، عاد إلى الظل ، ولم يقع في فصول حياته شيء يستحق الذكر خلال السنوات القليلة التالية.
غير أن هذه المرحلة ما لبثت أن انتهت في شهر رمضان من سنة ١٢٦٧ / ١٨٥٠ ، حين فقد عبد القادر أشعاش حظوته السابقة عند السلطان مولاي عبد الرحمن. وبحكم العلاقات الحميمة القائمة بين باشا تطوان ومحمد الصفار ، وجد الفقيه الكاتب نفسه في وضعية غير مريحة. وقبيل حلول عيد الأضحى ، أمر السلطان عامله على تطوان بالقدوم إليه في فاس لتقديم هدية العيد كما جرت العادة بذلك. وقد امتثل أشعاش واتجه في طريقه إلى فاس مصطحبا معه محمد الصفار دون أن تساوره أي شكوك في نوايا سيده ، وهذه رواية محمد داود لبقية الأحداث : «ولما وصل إلى فاس مع القائد الحاج عبد القادر أشعاش ـ وكان المترجم له [أي الصفار] كاتبا له ـ استدعاهما الفقيه الخطيب السيد الكبير الفاسي للغذاء معه بداره ، (٣) فاعتذر القائد المذكور بأنه سيذهب إلى دار المخزن لتقديم هديته إلى
__________________
(١) انظر الصفحات السابقة من هذا الكتاب بالإضافة إلى تعاليق بوميي «لقد بدأ السفير والمرافقون له ... يحسون بالشوق إلى بلدهم».AAE / ADM / Voyage ، بوميي إلى دوشاستو ، ٨ فبراير ١٨٤٦.
(٢) عثر محمد داود ضمن أوراق محمد الصفار على رسوم عدلية تحمل علامة توقيعه المعروفة عند العدول بالدبانة ، وتحمل تواريخ تبتدئ بسنة ١٢٦٣ / ١٨٤٥. وفي ذلك دليل على متابعة الصفار لمزاولة وظيفة العدلية بعد عودته من فرنسا.
(٣) عبد الكبير بن المجدوب الفاسي (توفي سنة ١٢٩٦ / ١٨٧٩) ، ينحدر من أسرة فاسية عريقة ، وكان خطيبا بضريح مولاي إدريس في المدينة نفسها. انظر :
E. Le؟vi ـ Provenc؟al, Les historiens des chorfa) Paris, ٢٢٩١ (, p. ٦٤٣.
واستقى محمد داود معلوماته من القاضي سيدي عبد الحفيظ الفاسي حفيد سيدي عبد الكبير الفاسي المشهور.