السلطان. وتغدى الصفار بدار السيد الفاسي ، فكان من لطف الله به أنه لما صلى العصر وأراد الخروج ، استمهله صاحب الدار إلى أن فات وقت الهدية. فلما خرج الصفار من الدار ووصل إلى الصفارين ، وصله نبأ إلقاء القبض على القائد المذكور وعلى من كانوا معه ، فعاد للزاوية الفاسية من حينه بها محترما» (١).
وقد حاول الصفار ، في أثناء احتمائه بحرم الزاوية ، أن يتفاوض في إمكان إطلاق سراحه ، وربما تشفع له بعض معارفه في فاس وتدخلوا لصالحه لدى الجهاز المركزي للمخزن. ولا يستبعد أن يكون السلطان ما زال يذكر شخصيا أن الصفار هو كاتب الرحلة السفارية إلى فرنسا. ومهما كانت الأمور ، فقد سمح للصفار بمغادرة الضريح الذي احتمى به. ولم يكتف بغض النظر عن علاقاته الحميمة بعبد القادر أشعاش ، بل وجهت إليه الدعوة للالتحاق رأسا بحاشية السلطان (٢).
أما مصير القائد أشعاش ، فقد كان أقل حظا من صاحبه. فبينما ظل الصفار آمنا على نفسه بحرم الزاوية ، زج بأشعاش ومعه كل أفراد أسرته في غيابات السجن. ثم صودرت كل ممتلكاتهم وبيعت ، لتعود مداخيلها إلى بيت المخزن. وتظل الأسباب التي أدت إلى خراب أسرة أشعاش غير واضحة بما فيه الكفاية. إلا أن المعطيات المفصلة المتعلقة بالممتلكات المصادرة كما نشرها محمد داود ، توحي بأن ثروة الأسرة
__________________
(١) تطوان ، ٧ : ٧٩ ـ ٨٠. كانت مقابر بعض الأولياء «حرما» يمكن أن يجد فيه المتابعون ملجأ آمنا لأنفسهم. غير أن هناك اختلافا بين المصادر في اختيار الصفار للضريح الذي احترم به. إذ يقول محمد داود بلجوئه إلى الزاوية الفاسية ، ويؤيده في ذلك ما هو وارد في التقييد المجهول. أما الرهوني ، فيعتقد أن الصفار قد فر لاجئا إلى ضريح مولاي إدريس ، وهو الحرم التقليدي المعروف في فاس. أما الزاوية الفاسية ، فهي المركز الديني لمؤسسها سيدي عبد القادر الفاسي (المتوفى في ١٦٨٠) ، وتوجد في حي القلقليين بفاس ، انظر :
N. Cigar, Muhammad al ـ Qadiri\'s؟Nashr al ـ Mathani\' : The Chronicles) London, ١٨٩١ (, p. ٢٣١ et note ٧; Le؟vi provenc؟al, Les historiens, pp. ٤٦٢ ـ ٥٦٢.
أما الصفارين فهو حي صغير يتوسط قلب مدينة فاس قرب خزانة القرويين. والاسم مأخوذ عن الحرفيين الذين يصنعون هناك الأواني النحاسية وغيرها.
(٢) تطوان ، ٧ : ٧٩. ويؤكد داود أن الوزير ابن ادريس كان مؤيدا لرسائل التشفع الموجهة إلى السلطان وساعد على إخراج محمد الصفار من المأزق.