كانت طائلة ومن الأهمية بمكان. ولا يستبعد أن تكون رغبة السلطان مولاي عبد الرحمن في حيازتها سببا رئيسيا في تغيير موقفه من آل أشعاش (١). ومن المحتمل أن يكون قد أطلق سراح أشعاش ، وسمح له بالعودة إلى تطوان ليعيش هنالك حياة عادية. وفي عام ١٨٦٢ أعاد السلطان سيدي محمد بن عبد الرحمن تعيين أشعاش عاملا على تطوان ، لكنه ما لبث أن صادف صعوبات جديدة ، فأقيل من منصبه. وقضى أشعاش ما تبقى من عمره خديما مخزنيا بسيطا في مدينة مكناس إلى حين وفاته بها سنة ١٢٨٢ / ١٨٦٥ ـ ١٨٦٦. ولم تتمكن أسرة أشعاش بكل ما كانت تتميز به من جاه وأبهة ، من استعادة سالف مجدها الذي عاشت في أحضانه حينا من الدهر بمدينة تطوان (٢).
أما المرحلة الثانية من حياة الصفار ، وتشمل الفترة الطويلة التي قضاها في خدمة المخزن على المستوى المركزي ، فهي محيرة جدا لكل من يحاول تتبع فصولها وجمع شتاتها في وحدة متناسقة. وقد أحيطت حياته خلال تلك المرحلة التي يمكن تسميتها بالمخزنية ، بكثير من الغموض والسرية. وذابت كل عناصره الذاتية والفردية لتصبح منغمسة في خضم الوجود الواسع والحضور القوي لشخص السلطان وبلاطه ، والذي تتمحور كل العناصر التي تكون الأطر والموظفين المخزنيين حوله كالقطب المركزي. وكانت تبدو كل جوانب الحياة في البلاط ومظاهرها خاضعة في جميع جزئياتها إلى تقنينات بروتوكولية صارمة يصطلح عليها في التعبير المخزني بلفظة «القاعدة». وبموجبها تتحدد كل التصرفات الواجب احترامها داخل البلاط ، بدءا من طريقة تقديم الشاي وانتهاء بكيفية استقبال سفراء الدول الأجنبية. وكان يتم تشكيل الموظفين الوافدين على المخزن من جهة نائية من مختلف ربوع البلاد وفقا لتلك القاعدة ، وبطريقة تجعلهم يصبحون منصهرين في إطار عينة اجتماعية واحدة متراصة ومتلاحمة الصفوف. حيث يتخلى كل واحد منهم عن ولاءاته الجهوية المعهودة لديه بالأمس ، ليتحول إلى مخلوق جديد يخلص بكل كينونته وجوارحه إلى المؤسسة السلطانية دون غيرها. وكان انعزالهم عن بقية أفراد الرعي يزداد قوة نتيجة عدم استقرارهم في مكان واحد ، بفعل حياة التنقل والترحال الدائمة التي كان
__________________
(١) تطوان ، ٣ : ٣٠٣ ، ٣٠٩ ـ ٣٣٤.
(٢) تطوان ، ٦ : ١١ ، ٨٨ ـ ٩١.