لنا ابن زيدان لمحة عن مهام هذه الوزارة نقتبسها من كتابه إتحاف أعلام الناس :
«وعاد المترجم [السلطان] في تقسيم أيام الأسبوع أنه كان ـ قدس الله روحه ـ يقابل أصحاب المظالم وأرباب الشكايات بنفسه. يوم الأحد يقدم له الوزير المكلف بسماع المظالم وتقييد دعاويهم في زمام المشتكين كل باسمه ونسبه ومحل استيطانه وتقرير دعواه ، فيأخذ المترجم الزمام وينادي المقيدين به واحد بعد واحد ويبحث كلا على حدته بحثا مدققا حتى يأتي على جميعهم. فمن وافق مقاله ما هو مقيد عنه وقع بما يراه نظرة الأسد في إنصافه ممن ظلمه. ومن وقعت منه أدنى مخالفة يتتبع قضيته ويحلل كلامه أدق تحليل حتى يتضح له وجه الحق ، فيقضي بما يراه. هذا كله ووزير الشكاية واقف بإزاء المترجم [السلطان] وبيده تقييدة مثل التي بيد صاحب الترجمة [السلطان]» (١).
وظل الصفار على رأس تلك الوزارة طوال فترتي حكم السلطانين سيدي محمد بن عبد الرحمن وخلفه المولى الحسن ، إلى حين وفاته في سنة ١٢٩٨ / ١٨٨١.
وبقي الصفار متمسكا إلى النهاية وبصفة قارة بخصلتي الاستقامة والرزانة اللتين تميز بهما منذ بداية مسيرته. وبخلاف العديد من الذين أثيرت ضدهم حفيظة السلطان وانتهى المطاف بإبعادهم في سنواتهم الأخيرة ، نجد الصفار ينهي الفصول الأخيرة من حياته في جو من الهدوء والطمأنينة ، تماما كما كان أمره في البداية.
وعلى الرغم من كبر سنه ، نجده ملازما لحاشية السلطان أثناء كل التحركات والتنقلات التي كان يقوم بها المخزن المركزي بمختلف أرجاء البلاد. وفي إحدى حركات مولاي الحسن ، أصيب الصفار بوعكة صحية بينما كانت المحلة السلطانية تعبر المناطق الجبلية الممتدة بين فاس ومراكش ، فانتاب السلطان قلق كبير على أثرها ، فقيل إنه جعل محفته رهن إشارة وزيره الذي كانت حالته الصحية لا تسمح له بركوب الفرس. وحين اقتربت المحلة السلطانية من منطقة دار ولد زيدوح التادلية ،
__________________
في أعقاب الاحتلال الإسباني لتطوان في ١٨٥٩. وعن هذه الوزارة ، انظر ما كتبه ابن زيدان ، العز ١ : ٥٠ ـ ٥٤ ؛ المنوني ، مظاهر ، الطبعة الثانية ، (الدار البيضاء ، ١٩٨٥) ، ١ : ٤٣ ، بالإضافة إلى الهامش ١٠٢ أعلاه.
(١) يشمل هذا الوصف وزارة الشكايات خلال فترة حكم السلطان مولاي الحسن ، الذي تولى الحكم كما هو معلوم بعد سيدي محمد بن عبد الرحمن. الإتحاف ، ٢ : ٥١٦.