توفي محمد الصفار (١). وأمر السلطان بتحضير جنازته وتهييئها للدفن والصلاة عليه. ثم وضع جثمانه من جديد فوق محفة السلطان وحمل عليها إلى مراكش ، فأقبر في ضريح الولي الصالح سيدي يوسف بن علي الموجود خارج باب أغمات أحد أكبر أبواب الحضرة المراكشية (٢).
وكان دفن محمد الصفار بجوار الولي الصالح سابق الذكر تنفيذا لأمره أصدره السلطان مولاي الحسن ، مكافأة له على المدة الطويلة التي قضاها من حياته في خدمة المخزن. ومن المتناقضات الصارخة أن يكون تفاني الصفار في خدمة مؤسسة المخزن مدة طويلة هو الذي جعل اسمه يظل محفوظا ، في حين سرعان ما نسي إنجازه الكبير في أدب الرحلة. وكل الذين أرخوا لحياة محمد الصفار ، ركزوا جميعا على صب حياته في قالب من التقوى والخصال الحميدة ، باحثين عن كل ما يظهر فردانيته وسمو منزلته. ولم يتجاوز أي منهم ، باستثناء الفقيه محمد داود (٣) ، الإشارة بطريقة عابرة وعرضية إلى رحلته التي قام بها إلى فرنسا. كما أن أحدا منهم لم يكلف نفسه عناء التساؤل أو التفكير في الآثار أو العواقب التي كانت لتلك الرحلة على سلوك حياة محمد الصفار خلال ما تبقى من حياته. كما أننا لم نستطع أن نعرف من كل الذين كتبوا عنه ، هل كان لتجربة الصفار الخارجية تأثير معين على سياسة المخزن أم لا ، بالرغم من أنه قد عاش في فترة كثر خلالها الحديث عن البرامج الإصلاحية وفقا للنمط الغربي بل وكانت وقتئذ من أبرز قضايا الساعة.
ونعلم جيدا أن دقة الملاحظة والجودة في التعبير الباديتين بوضوح كامل من
__________________
(١) كانت أسرة ولد زيدوح من الأسر الكبيرة التي غالبا ما زودت المخزن برجال أكفاء مارسوا مهامهم كقواد في منطقة تادلة.
(٢) يعتبر سيدي يوسف بن علي أحد صلحاء القرن الثاني عشر ميلادي ، وهو واحد من سبعة رجال المعروفين بمراكش ، انظر :
G. Deverdun, Marrakech : Des orgines ٢١٩١, ٢ vols.) Rabat, ٩٥٩١ ـ ٦٦ (: vol. I, pp. ٨٧٣ ـ ٩٧; vol. ٢, planche ٩٣.
(٣) انظر ما كتبه محمد داود عن السفارة المغربية إلى فرنسا في : تطوان ، ٣ : ٢٥٩ ـ ٣٠٩. بينما اعتقد المراكشي خطأ أن الرحلة كانت إلى إنجلترا. وقد تدارك هذا الخطأ عبد الوهاب ابن منصور عند تحقيقه لكتاب الإعلام ، ٧ : ٣٥ ، الهامش ١.