قبل أيام درويش باشا الفريق بقليل واستولت على ما كان بيدها ، وراقبت الحالة بنظرات صادقة ، واطلعت على إمارة البابان وأنها لا قدرة لها إلا في النفوذ على أكبر القبائل في اللواء وهم الجاف ومن على شاكلتهم فاشتغلت لتقريبهم ، ومنحتهم الألقاب الفخمة ، وجلبتهم لجانبها ..
وهناك قد حصل التفاهم بين إيران وتركية على التعاون للقضاء على هذه الإمارة ليكونا بنجوة من الغوائل ، فلم يستطع آل بابان أن يعودوا للتجربة السابقة بالميل إلى إيران إذ لم يجدوا مساعدة منها بل عزمت الدولتان على المناصرة في القضاء على الإمارة المذكورة ، فكان ذلك قبل تحديد الحدود بمدة قليلة.
وإن الجاف لم يعودوا إلى الالتفات إلى أقوال أمراء البابان ، وقد رأوا توجها من الدولة وحصلوا على مكانة مرضية.
شعر الجاف بقوة ، ونظرت الدولة أمر إدارتهم بأنفسهم. فتفاهموا مع الدولة العثمانية ، ولم يظهر منهم ما ينفر أو يدعو للقيام عليهم ، فبقوا موالين للحكومة حتى أيامها الأخيرة.
ومن ثم قضت الحكومة على الأسرة البابانية ، ونالت هذه مكانتها وزيادة. لأنها كانت في خشية من تلك ، وأمن وطمأنينة من هذه ، فقامت هذه في حراسة الحدود ومراعاة سياسة الحكومة. ولقبت الحكومة أميرها محمد بك كيخسرو بلقب (باشا) مما يعين هذا الاتصال بالدولة. على أن الدولة لم تأمن غوائل الحدود ، ولزوم مراقبتها خشية إحداث أمثال ما وقع في بابان مما فصل (تاريخ العراق) ، ولكن الحكومة أمينة منها أكثر ، وهي (خير حارس للحدود).
كل هذه مما جعل الدولة تمشي بصورة معقولة. وتنهج سياسة قويمة ، ومثلها إيران فإنها ملت الحروب ، وصارت تودّ الطمأنينة بكل قواها ، فلا إثارة فتن ، ولا قيام زعازع أو حروب. والدولة العثمانية خاصة راعت العدل بين أمرائها ومجاوريهم ، فلا تركن الى ما يشعرون بشدة وطأته ، ولا الى ما يؤدي الى انتهاك الحرمات والحقوق لما هو مألوفهم ومعتادهم.