على أرض الأرواح من غمام النبوّة ينال النفوس فوائدها من الرسالة وهي متولِّدة من النبوّة ، إلى أن قال : فاعلم أنّ حقيقة النبوّة إقبال العقل الأوّل الذي هو الجوهر المبدع على إنسان كامل الذات إقبالاً كلّياً حقيقيّاً بحيث يصير مباشراً في ذاته فيتكلّم بلسانه ويرىٰ ببصره ويسمع بإذنه .
وقد يُقال : إنّ النبوّة هو كون الإنسان خليفة لله بالخلافة المشار إليها بقوله : (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) (١) وتلك الخلافة الموروثة من آدم ما ظهرت بكمال ذاتها وتمام صفاتها إلّا في خمسة مراتب والمراتب التي ظهرت الخلافة الربّانية فيها هم أشخاص أولي العزم من الرسل عليهمالسلام ، وتلك الخلافة يستحقّها محمّد صلىاللهعليهوآله بالاصالة بحسب الباطن كما يستحقّها آدم عليهالسلام كذلك بحسب الظاهر ولذا قيل لآدم أنّه آدم الصورة ولمحمّد صلىاللهعليهوآله أنّه آدم الحقيقة ، فكما أنّ آدم الصورة أوّل الإنسان كذلك آدم الحقيقة خاتم الأنبياء ، فنبوّة محمّد صلىاللهعليهوآله أصلية يتفرّع عليها سائر النبوّات ، فلولاه ما ظهرت لنبيٍّ نبوّة أصلاً ، فهو صلىاللهعليهوآله نبي الله حقيقةً وأصالةً وسائر الأنبياء نبوّتهم من رشحات نبوّته .
قال صلىاللهعليهوآله : (كنت نبيّاً وآدم بين الماء والطين) (٢) .
وهذا هو السرّ في بقاء شريعته إلى يوم الدِّين بخلاف شرائع سائر المرسلين فإنّها منصرمة منقطعة بشريعة خاتم النبيِّين صلىاللهعليهوآله .
________________________
١ ـ البقرة : ٣٠ .
٢ ـ راجع دفع المناواة عن التفضيل والمساواة ص ٩١ ، ط قم مكتبة الأمين . وراجع مشارق أنوار اليقين للبرسي ص ٥٨ في فصل (أوّل الخلق نور محمّد وعليّ) ط : بيروت . وبحار الأنوار ج ٢٥ ، ص ٢٢ ، ح ٣٨ . والأنوار النعمانية للسيّد نعمة الله الجزائري ج ١ ، ص ٢٢ .