صورته ، وجعله نسخة لملكه وملكوته وإنموذجاً للعالم الأكبر وخمَّر طينته بيده أربعين صباحاً ، وأسجد له ملائكته وعلّمه الأسماء كلّها (١) إلى غير ذلك من المزايا والفضائل التي يطول المختصر بذكرها فهؤلاء الستّة جامعون لجميع الكمالات الروحانية متّصفون بجميع الصفات الربّانية ، والباقون من فروعهم ورشحاتهم ورعاياهم ، فهم عليهمالسلام أصول النبوّة وأركان الرسالة والباقون فروعها وأغصانها وأوراقها ، وأنّ اشتراك الكلّ في أصل النبوّة كما قال : (لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ) (٢) .
قال بعض العارفين : اعلم أنّ الأنبياء في مرتبة النبوّة وذورتها على درجة واحدة ، غير أنّهم على تفاوت في وقت قبولها ، فمنهم تنبّأ في منامه ومنهم من تنبّأ في يقظته ، وكلّهم في النبوّة سواء لأنّ النبوّة كمال علم حصل من وحي الله في نفس عبد كامل هو في وقته أعقل عصره ، وتلك النبوّة التي هي نور العقل الأوّل ضوء كلمة الله العليا ، خلقه من الله لجميع الأنبياء ، ثمّ إنّ الأنبياء في مراتب الرسالة وكيفيّات الرسالات وكمّيات المقالات متفاوتة إذ لكلّ واحد منهم خاصّة يميّز بها عن غيره كما كان الكلام لموسىٰ ، والخلّة لإبراهيم ، والكلمة لعيسىٰ ، والرؤية لمحمّد صلىاللهعليهوآله ، وأعني بذلك أنّ كلّ واحد منهم اشتهر بخاصّية انضافت تلك الخاصّية بذاته ، حتّى سمّى الناس له باسم تلك الخاصّية كما قيل : موسىٰ كليم الله ، وإبراهيم خليل الله ، وقد كان إبراهيم كليم الله كموسىٰ ، وموسىٰ خليل الله كإبراهيم ، لكن صار الكلام لموسىٰ خاصّة ذاته وباقي المراتب منازل نال
________________________
١ ـ إشارة إلى قوله تعالى في سورة البقرة آية (٣١) : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَـٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) .
٢ ـ البقرة : ٢٨٥ .