من أصله (١) ، فإنّ حصول الأولويّة في أحد جانبي الوجود والعدم لا ينقطع به جواز وقوع الطرف الآخر. والسؤال في تعيّن الطرف الأولى مع جواز الطرف الآخر على حاله وإن ذهبت الأولويّات إلى غير النهاية حتّى ينتهي إلى ما يتعيّن به الطرف الأولى وينقطع به جواز الطرف الآخر وهو الوجوب.
على أنّ في القول بالأولويّة إبطالا لضرورة توقّف الماهيّات الممكنة في وجودها وعدمها على علّة ، إذ يجوز عليه أن يقع الجانب المرجوح مع حصول الأولويّة للجانب الآخر وحضور علّته التامّة. وقد تقدّم أنّ الجانب المرجوح الواقع يستحيل تحقّق علّته حينئذ ، فهو في وقوعه لا يتوقّف على علّة ، هذا خلف.
ولهم في ردّ هذه الأقوال وجوه اخر أوضحوا بها فسادها (٢) ، أغمضنا عن إيرادها بعد ظهور الحال بما تقدّم.
وأمّا حديث استلزام الوجوب الغيريّ ـ أعني وجوب المعلول بالعلّة ـ لكون العلّة موجبة ـ بفتح الجيم ـ فواضح الفساد كما تقدّم ، لأنّ هذا الوجوب انتزاع عقليّ عن وجود المعلول غير زائد على وجوده ، والمعلول بتمام حقيقته أمر متفرّع على علّته ، قائم الذات بها ، متأخّر عنها ، وما شأنه هذا لا يعقل أن يؤثّر في العلّة ويفعل فيها.
ومن فروع هذه المسألة أنّ القضايا الّتي جهتها الأولويّة ليست ببرهانيّة ، إذ لا جهة إلّا الضرورة (٣) والإمكان ، اللهمّ إلّا أن يرجع المعنى إلى نوع من التشكيك (٤).
__________________
(١) وفي النسخ : «من أصلها» والصحيح ما أثبتناه.
(٢) راجع شرح المقاصد ١ : ١٢٧ ـ ١٢٩ ، والمسألتين الثالثة والعشرين والرابعة والعشرين من الفصل الأوّل من شوارق الإلهام ، والمباحث المشرقيّة ١ : ١٣٢ ، والأسفار ١ : ٢٢١ ـ ٢٢٣ ، والمحصّل : ٥٣.
(٣) أعمّ من ضرورة الوجود وهو الوجوب ، أو ضرورة العدم وهو الامتناع.
(٤) أي : إلّا أن يرجع معنى الضرورة إلى نوع من التشكيك ، بأن يقال : إنّ الضرورة تأكّد الوجود ، والتأكّد أمر تشكيكيّ ، فمرتبة منه الأولويّة ، ومرتبة اخرى منه الضرورة ، فحينئذ كانت القضايا الّتي اتّصفت بالأولويّة بهذا المعنى برهانيّة ، إذ كانت ضروريّة.