وقد ظهر ممّا تقدّم أنّ الحمل بين الذات وبين أجزائه الذاتيّة حمل أوّليّ (١).
وبه يندفع الإشكال في تقدّم أجزاء الماهيّة عليها بأنّ مجموع الأجزاء عين الكلّ ، فتقدّم المجموع على الكلّ تقدّم الشيء على نفسه ، وهو محال.
وذلك (٢) أنّ الذاتيّ ـ سواء كان أعمّ وهو الجنس أو أخصّ وهو الفصل ـ عين الذات ، والحمل بينهما أوّليّ ، وإنّما سمّي : «جزءا» لوقوعه جزءا من الحدّ.
على أنّ إشكال تقدّم الأجزاء على الكلّ مدفوع بأنّ التقدّم للأجزاء بالأسر على الكلّ (٣) ، وبين الاعتبارين تغاير.
__________________
(١) بمعنى أنّ الذات بالحمل الأوّليّ ذاتيّاته ، لا أنّ الذات ذاتيّاته بالحمل الأوّليّ. والفرق بينهما ـ كما مرّ ـ أنّ المراد من الحمل الأوّليّ الّذي يكون قيدا للموضوع هو مفهوم الموضوع ، فيقال : «الإنسان بالحمل الأوّليّ حيوان ناطق» ومعناه : أنّ مفهوم الإنسان حيوان ناطق ، وهذا صادق ، والمراد منه إذا كان قيدا للقضيّة أنّ اتّحاد المحمول بالموضوع اتّحاد مفهوميّ ، فيقال مثلا : «الإنسان حيوان ناطق بالحمل الأوّليّ» ، ومعناه : أنّ مفهوم الإنسان نفس مفهوم الحيوان الناطق ، وهذا غير صادق ، فإنّ مفهوم الإنسان ـ وهو مركّب من الحيوان والناطق ـ غير مفهوم كلّ من الحيوان والناطق. نعم ، يصحّ أن يقال : «الإنسان إنسان بالحمل الأوّليّ» أي مفهوم الإنسان (الموضوع) نفس مفهوم الانسان (المحمول). ويصحّ أن يقال : «الإنسان حيوان ناطق بالحمل الشائع» أي مصداقهما واحد. والخلط بينهما قد يوجب أن يتوهّم أنّ الحمل بين الذات وذاتيّاته ليس إلّا حملا شائعا.
(٢) أي : الاندفاع. واعلم أنّهم اختلفوا في التفصّي عن هذا الإشكال ، ولهم عبارات مختلفة تعرّض لها المحقّق اللاهيجيّ في المسألة الخامسة من الفصل الثاني من المقصد الأوّل من شوارق الإلهام ، فراجع.
(٣) وبعبارة اخرى : أنّ الأجزاء لا بشرط الاجتماع متقدّمة على الأجزاء بشرط الاجتماع ، فالحيوان والناطق متقدّمان على الحيوان الناطق.