مادّية موجودة للمادّة بسائط في الخارج غير مركّبة من المادّة والصورة ، وبسائط في العقل غير مركّبة من الجنس والفصل ، وإلّا كانت الواحدة منها أنواعا متسلسلة ، كما تقدّمت الإشارة إليها.
وأمّا النفس المجرّدة فهي باعتبار أنّها فصل للنوع حيثيّتها حيثيّة الوجود الناعتيّ ، وقد عرفت (١) أن لا ماهيّة للوجود الناعتيّ. وأمّا من حيث تجرّدها في ذاتها فإنّ تجرّدها مصحّح وجودها لنفسها (٢) ، كما أنّها موجودة في نفسها ، وهي تمام حقيقة النوع ، فيصدق عليها الجوهر ، فتكون هي النوع الجوهريّ الّذي كانت جزءا صوريّا له ، وليست بصورة ، ولا ينافيه كون وجودها للمادّة أيضا ، فإنّ هذا التعلّق إنّما هو في مقام الفعل دون الذات ، فهي مادّيّة في فعلها لا في ذاتها.
هذا على القول بكون النفس المجرّدة روحانيّة الحدوث والبقاء كما عليه المشّاؤون (٣). وأمّا على القول بكونها جسمانيّة الحدوث روحانيّة البقاء (٤) فهي تتجرّد في ذاتها أوّلا ، وهي بعد متعلّقة بالمادّة فعلا ثمّ تتجرّد عنها في فعلها أيضا بمفارقة البدن.
__________________
(١) في الفصل الأوّل من المرحلة الثانية.
(٢) أورد عليه بعض الأساتيذ من تلامذة المصنّف رحمهالله بأنّه يستشعر من كلامه هذا أنّ مصحّح كون النفس من أنواع الجوهر كون وجودها لنفسها ، لا وجودها في نفسها. وهذا لا يوافق صدر كلامه حيث صرّح بأنّ الملاك هو كون الوجود في نفسه لا لنفسه ، مضافا إلى أنّه يستلزم عدم انتزاع الماهيّة عن الأعراض. راجع تعليقته على نهاية الحكمة : ١٢٤ ـ ١٢٥.
ودفعه شيخنا الاستاذ الجواديّ الآملي بأنّه لا تهافت بين كلامه هذا وبين ما مرّ منه في صدر الجواب ، فإنّه كان هناك بصدد بيان المصحّح لكون الشيء ذا ماهيّة ، فصرّح بأنّ المصحّح له هو وجوده في نفسه. وأمّا في المقام فليس بصدد بيان المصحّح لكون الشيء ذا ماهيّة ، بل كان في مقام بيان المصحّح لكون الشيء ذا ماهيّة جوهريّة ، ولا شكّ أنّه وجوده لنفسه ، كما أنّ المصحّح لكون الشيء ذا ماهيّة عرضيّة هو وجوده لغيره. راجع «رحيق مختوم ١ / ٢ : ٢٥٧».
(٣) نسب إليهم في حواشي شرح المنظومة للسبزواريّ ، فراجع شرح المنظومة : ٣٠٢
(٤) هذا مذهب صدر المتألّهين ، فراجع الأسفار ٨ : ٣٤٧ ، وحاشية شرح حكمة الإشراق : ٢٤٥.
وتبعه الحكيم السبزواريّ في شرح المنظومة : ٣٠٣.