وأمّا ما قيل (١) : إنّ التقييد بالاستغناء لإدخال الصور الجوهريّة الحالّة في المادّة في التعريف ، فإنّها وإن وجدت في الموضوع لكنّ موضوعها غير مستغن عنها ، بل مفتقرة إليها.
ففيه : أنّ الحقّ أنّ الصور الجوهريّة ماهيّات بسيطة غير مندرجة تحت مقولة الجوهر ، ولا مجنّسة بجنس ـ كما تقدّمت الإشارة إليه في مرحلة الماهيّة (٢) ـ.
ووجود القسمين ـ أعني الجوهر والعرض ـ في الخارج ضروريّ في الجملة (٣) ، فمن أنكر وجود الجوهر فقد قال بجوهريّة الأعراض من حيث لا يشعر. ومن الأعراض ما لا ريب في عرضيّته كالأعراض النسبيّة.
والجوهر جنس لما يصدق عليه من الماهيّات النوعيّة ، مقوّم لها ، مأخوذ في حدودها (٤) ، لأنّ كون الماهيّات العرضيّة مفتقرة في وجودها الخارجيّ إلى موضوع مستغن عنها يستلزم وجود ماهيّة هي في ذاتها موضوعة لها (٥) ، مستغنية عنها ، وإلّا ذهبت سلسلة الافتقار إلى غير النهاية ، فلم تتقرّر ماهيّة ، وهو ظاهر.
وأمّا ما استدلّ به على جنسيّة الجوهر لما تحته ، بأنّ كون وجود الجوهر لا في
__________________
ـ السبزواريّ في شرح المنظومة (قسم الحكمة) : ١٣٦. وتبعهم المصنّف رحمهالله في بداية الحكمة : ٨٧ ، حيث قال : «تنقسم الماهيّة انقساما أوّليّا إلى جوهر وعرض ، فإنّها إمّا أن تكون بحيث إذا وجدت في الخارج وجدت لا في موضوع مستغن عنها في وجوده ، سواء وجدت لا في موضوع أصلا كالجواهر العقليّة القائمة بنفسها أو وجدت في موضوع لا يستغنى عنها في وجوده ، كالصور العنصريّة المنطبعة في المادّة المتقوّمة بها».
(١) والقائل هو محمّد تقيّ الآمليّ في درر الفوائد : ٣٨٩ حيث قال : «الجوهر هو الماهيّة الّتي حقّ وجودها العينيّ أن لا يكون في موضوع ـ أي في محلّ مستغن عن الحالّ فيه ـ وإن كان في المحلّ ، أي في محلّ مفتقر ذاك المحلّ إلى هذا الحالّ ، كالصورة الحالّة في الهيولى حيث إنّها مع حلولها في الهيولى جوهر ، إذ ليست حالّة في محلّ مستغن عنها».
(٢) في الفصل السادس من المرحلة الخامسة.
(٣) أي : على نحو القضيّة المهملة.
(٤) هذا مذهب أكثر الحكماء. والأقلّون على خلافه ، ومنهم فخر الدين الرازيّ في المباحث المشرقيّة ١ : ١٤٢ ـ ١٤٦.
(٥) أي : ما يستلزم وجود ماهيّة كانت حيثيّة ذاتها أنّها لا في موضوع.