موضوع وصف واحد مشترك بين الماهيّات الجوهريّة ، حاصل لها على وجه اللزوم ، مع قطع النظر عن الامور الخارجة ، فلو لم يكن الجوهر جنسا لها بل كان لازم وجودها وهي ماهيّات متباينة بتمام الذات لزم انتزاع مفهوم واحد من مصاديق كثيرة متباينة بما هي كذلك ، وهو محال. فبين هذه الماهيّات الكثيرة المتباينة جامع ماهويّ واحد لازمه الوجوديّ كون وجودها لا في الموضوع (١).
ففيه : أنّ الوصف المذكور معنى منتزع من سنخ وجود هذه الماهيّات الجوهريّة لا من الماهيّات ، كما أنّ كون الوجود في الموضوع ـ وهو وصف واحد لازم للمقولات التسع العرضيّة ـ معنى واحد منتزع من سنخ وجود الأعراض جميعا. فلو استلزم كون الوصف المنتزع من الجواهر معنى واحدا جامعا ماهويّا واحدا في الماهيّات الجوهريّة لاستلزم كون الوصف المنتزع من المقولات العرضيّة معنى واحدا جامعا ماهويّا واحدا في المقولات العرضيّة هو جنس لها ، وانتهت الماهيّات إلى مقولتين هما الجوهر والعرض.
فالمعوّل في إثبات جنسيّة الجوهر لما تحته من الماهيّات على (٢) ما تقدّم ، من أنّ افتقار العرض إلى موضوع يقوم به (٣) يستلزم ماهيّة قائمة بنفسها.
ويتفرّع على ما تقدّم أنّ الشيء الواحد لا يكون جوهرا وعرضا معا. وناهيك في ذلك أنّ الجوهر وجوده لا في موضوع ، والعرض وجوده في موضوع ، والوصفان لا يجتمعان في شيء واحد بالبداهة. (٤)
__________________
(١) هكذا استدلّ عليه صدر المتألّهين في الأسفار ٤ : ٢٦٠.
(٢) متعلّق بقوله : «فالمعوّل».
(٣) كون وجود العرض لغيره (ناعتا لغيره) معنى سلبيّ لا اقتضاء للماهيّة العرضيّة بالنسبة إليه ، ولكن وجود الجوهر وجود لنفسه قائم بنفسه الّتي هي ماهيّته ، وهو معنى إيجابيّ تقتضيه الماهيّة اقتضاء الماهيّة للوازمها ، والمعنى الواحد لا ينتزع من ماهيّات متباينة ، وقد أشرنا إليه في قولنا قبلا : «وإلّا لذهبت سلسلة الافتقار إلى غير النهاية ...». ـ منه رحمهالله ـ.
(٤) فإنّ وصف «لا في موضوع» نقيض وصف «في موضوع» ، والنقيضان لا يجتمعان في شيء واحد.