الوجودات الإمكانيّة واجبة بالذات ، لأنّ كون الوجود موجودا بذاته يستلزم امتناع سلبه عن ذاته ، إذ الشيء لا يسلب عن نفسه ، ولا نعني بالواجب بالذات إلّا ما يمتنع عدمه لذاته.
وجه الاندفاع (١) : أنّ الملاك في كون الشيء واجبا بالذات (٢) ليس هو كون وجوده نفس ذاته ، بل كون وجوده مقتضى ذاته من غير أن يفتقر إلى غيره ، وكلّ وجود إمكانيّ فهو في عين أنّه موجود في ذاته (٣) مفتقر إلى غيره مفاض منه ، كالمعنى الحرفيّ الّذي نفسه نفسه ، وهو مع ذلك لا يتمّ مفهوما إلّا بالقيام بغيره. وسيجيء مزيد توضيح له في الأبحاث الآتية (٤).
قال صدر المتألّهين في الأسفار : «معنى وجود الواجب بنفسه أنّه مقتضى ذاته من غير احتياج إلى فاعل وقابل ، ومعنى تحقّق الوجود بنفسه أنّه إذا حصل ، إمّا بذاته كما في الواجب ، أو بفاعل لم يفتقر تحقّقه إلى وجود آخر يقوم به ، بخلاف غير الوجود» (٥) انتهى.
__________________
ـ ٢ ـ وجود الممكن موجود بالذات ، وكلّ موجود بالذات واجب بالذات ، فوجود الممكن واجب بالذات.
ولكن من المعلوم أنّ النتيجة الأخيرة كاذبة ، بداهة أنّ الممكن ليس واجبا بالذات ، وإلّا يلزم انقلاب الذات. ومن هنا يمنع كبرى القياس ويقال : ليس كلّ موجود واجبا بالذات ؛ وينتج منه أنّه ليس كلّ وجود موجودا بالذات.
(١) كما في الأسفار ١ : ٤٠ ـ ٤١.
وحاصل الاندفاع : أنّ ما ذكر ليس ببرهان حتّى تكون نتيجته صادقة ، بل هو مغالطة منشؤها الاشتراك اللفظيّ ، فإنّ «موجود بالذات» في الصغرى بمعنى ، وفي الكبرى بمعنى آخر ؛ أمّا «موجود بالذات» في الصغرى فمعناه أنّ الموجوديّة وصف لوجود الممكن بحال نفسه ، أي لا بالمجاز ، بل ينسب إليه بالحقيقة ؛ وأمّا «موجود بالذات» في الكبرى فمعناه الموجود بلا علّة ، أي كلّ موجود لا بعلّة واجب بالذات. فلم يتكرّر الأوسط حتّى يكون برهانا.
(٢) بمعنى كونه غير مفتقر إلى غيره.
(٣) بمعنى أنّ الوجود ينسب إليه بالحقيقة.
(٤) يجىء في الفصل الاول والثانى من الرحلة الرابعة.
(٥) راجع الأسفار ١ : ٤٠.