المتألّهين (١) حقيقة عينيّة شخصيّة هي الواجب تعالى ، وتتأصّل الماهيّات الممكنة بنوع من الانتساب إليه ، فإطلاق الموجود عليه تعالى بمعنى أنّه عين الوجود ، وعلى الماهيّات الممكنة بمعنى أنّها منتسبة إلى الوجود الّذي هو الواجب.
ويردّه (٢) أنّ الانتساب المذكور إن استوجب عرض حقيقة عينيّة على الماهيّات كانت هي الوجود ، إذ ليس للماهيّة المتأصّلة إلّا حيثيّتا الماهيّة والوجود ، وإذا لم تضف الأصالة إلى الماهيّة فهي للوجود ، وإن لم يستوجب شيئا وكانت حال الماهيّة قبل الانتساب وبعده سواءا ، كان تأصّلها بالانتساب انقلابا ، وهو محال.
يتفرّع على أصالة الوجود واعتباريّة الماهيّة :
أوّلا : أنّ كلّ ما يحمل على حيثيّة الماهيّة فإنّما هو بالوجود ، وأنّ الوجود حيثيّة تقييديّة في كلّ حمل ما هويّ (٣) ، لما أنّ الماهيّة في نفسها باطلة هالكة
__________________
(١) أي : المتوغّلين في العلم الإلهيّ. ولكن أنكر صدر المتألّهين صحّة هذه النسبة في رسالة اتّصاف الماهيّة بالوجود ، فقال : «ونسبوا هذا المذهب إلى ذوق المتألّهين. حاشاهم عن ذلك». الرسائل : ١١٣.
(٢) وردّه أيضا في الأسفار ١ : ٧٣ ـ ٧٤.
(٣) بيان ذلك : أنّ الحيثيّة ثلاثة أقسام :
الأوّل : الحيثيّة الإطلاقيّة ، وهي الّتي بعد تقييد الموضوع بها ـ لا تزيد على الموضوع شيئا أصلا. والمراد من التقييد بها بيان الإطلاق عن جميع ما عدا الموضوع ، فهي بمنزلة التأكيد ، مثل أن يقال : «الإنسان من حيث هو إنسان حيوان ناطق» فإنّ كلمة «من حيث هو إنسان» تأكيد للموضوع ، أو يقال : «الماهيّة من حيث هي ماهيّة ليست إلّا هي» فإنّ لفظة «من حيث هي ماهيّة» تأكيد للموضوع ، ومعناه : أنّ الماهيّة قطع النظر عن جميع ما عداها ليست إلّا هي. فالماهيّة بالحيثيّة الإطلاقيّة لا موجودة ولا معدومة.
الثاني : الحيثيّة التعليليّة ، وهي الّتي تكون علّة لعرض المحمول على الموضوع من غير أخذه قيدا للموضوع. فالغرض من التقييد بها بيان علّة ثبوت الحكم للمقيّد. كأن يقال : «الإنسان ـ من حيث هو متعجّب ـ ضاحك» فإنّ الضاحك هو الإنسان ، والتعجّب علّة لعرض الضحك عليه ، فالموضوع ليس إلّا ذات الإنسان ، لا هو والتعجّب ، بل التعجّب إنّما هو علّة لعرض الضحك عليه ، وواسطة في ثبوت الضحك له ، ولذا يقال : كلّ حيثيّة تعليليّة واسطة في الثبوت. ـ