لا تملك شيئا ، فثبوت ذاتها (١) و [ثبوت] ذاتيّاتها لذاتها (٢) بواسطة الوجود. فالماهيّة وإن كانت إذا اعتبرها العقل من حيث هي لم تكن إلّا هي ، لا موجودة ولا معدومة ، لكنّ ارتفاع الوجود عنها بحسب هذا الاعتبار ـ ومعناه أنّ الوجود غير مأخوذ في حدّها ـ لا ينافي حمله عليها خارجا عن حدّها عارضا لها ، فلها ثبوت مّا كيفما فرضت.
وكذا لوازم ذاتها ـ الّتي هي لوازم الماهيّة ، كمفهوم الماهيّة العارضة لكلّ ماهيّة ، والزوجيّة العارضة لماهيّة الأربعة ـ تثبت لها بالوجود لا لذاتها.
__________________
ـ الثالث : الحيثيّة التقييديّة ، وهي الّتي بعد تقييد الموضوع بها ـ تزيد على الموضوع شيئا ، ويجعل الموضوع مقيّدا بها في كونه موضوعا ، كأن يقال : «الجسم ـ من حيث كونه أبيض ـ مرئيّ». فالموضوع للمرئيّ ليست ذات الجسم وحدها ، بل هو الجسم المقيّد بقيد كونه ذا بياض ، فالجسم واللون كلّ واحد منهما موضوع للمرئيّ ، إلّا أنّ المرئيّ بالذات هو البياض ، والجسم مرئيّ بالعرض ، أي إسناد المرئيّ إلى الجسم عرضيّ ومجازيّ ، نظير إسناد الجري إلى الميزاب. ولذا يقال : الحيثيّة التقييديّة واسطة في العروض.
وإذا عرفت هذا ، فنقول : حيثيّة الوجود في قولنا : «الماهيّة من حيث هي موجودة موجودة» حيثيّة تقييديّة ، فكان معناه أنّ الوجود واسطة في عرض الموجوديّة على الماهيّة. وذلك لأنّ الماهيّة المقيّدة بالحيثيّة الإطلاقيّة ليست إلّا هي. وما لم ينضمّ إليها الوجود ولم يلاحظ معها شيء آخر غير ذاتها لا موجودة ولا معدومة ، بل يحمل الموجود عليها بعد ملاحظتها مع الوجود وتقيّدها به. وبالدقّة ما هو موجود حقيقة وبالذات هو نفس الوجود ، وأمّا الماهيّة فهي موجودة بالعرض ، أي بعد عرض الوجود للماهيّة أيضا ليست الماهيّة موجودة حقيقة ، بل الموجود حقيقة وبالذات هو وجودها ، لكن موجوديّة وجودها تصحّح حمل الموجود على الماهيّة بالعرض. فوجود الماهيّة واسطة في عرض الموجوديّة للماهيّة. فثبت أنّ الماهيّة لا يحمل عليها الموجوديّة إلّا حال وجودها. وكذا في كلّ ما يحمل عليها بالحمل الشائع الّذي ملاكه الاتّحاد في الوجود ، بل كلّ ما يحمل عليها بالحمل الأوّلي ، وكذا لوازم ذاتها ، لأنّ لها ثبوتا مّا كيفما فرضت.
ولكن أورد عليه بعض الأساتيذ من تلامذة المصنّف رحمهالله بأنّه يصحّ حمل ذاتيّات الماهيّة عليها بالحمل الأوّليّ من دون لحاظ الوجود. راجع تعليقته على نهاية الحكمة : ٣٣.
(١) أي : كونها موجودة. فالماهيّة موجودة من حيث هي موجودة.
(٢) أي : ما يحمل عليها بالحمل الأوّليّ ، كالحيوانيّة والناطقيّة بالنسبة إلى الإنسان.