الكثرة مأخوذة في حدّ الواحد ، وهو الدور. مضافا إلى كونه تعريفا للكثير بالمجتمع ، وهو الكثير بعينه (١).
فالحقّ أنّ تعريفهما بما عرّفا به تعريف لفظيّ ، يراد به التنبيه على معناهما وتمييزه من بين المعاني المخزونة عند النفس (٢). فالواحد هو : «الّذي لا ينقسم من حيث إنّه لا ينقسم» ؛ والتقييد بالحيثيّة ليندرج فيه الواحد غير الحقيقيّ (٣) الّذي ينقسم من بعض الوجوه (٤). والكثير هو : «الّذي ينقسم من حيث إنّه ينقسم».
فقد تحصّل أنّ الموجود ينقسم إلى الواحد والكثير ، وهما معنيان متباينان تباين أحد القسمين للآخر.
تنبيه :
قالوا : «إنّ الوحدة تساوق الوجود» (٥) ، فكلّ موجود فهو واحد من جهة
__________________
(١) وهو أيضا من تعريف الشيء بنفسه.
(٢) قال الشيخ الرئيس في الفصل الثالث من المقالة الثالثة من إلهيّات الشفاء : «ثمّ يكون تعريفنا الكثرة بالوحدة تعريفا عقليّا ، وهنالك نأخذ الوحدة متصوّرة بذاتها ومن أوائل التصوّر ، ويكون تعريفنا الوحدة بالكثرة تنبيها». وتبعه في ذلك الفخر الرازيّ في المباحث المشرقيّة ١ : ٨٤ ، وصدر المتألّهين في الأسفار ٢ : ٨٣.
(٣) فإنّ الواحد غير الحقيقيّ وإن كان في نفسه منقسما لكن له حيثيّة غير قابلة للقسمة ، فيتّصف باعتبار تلك الحيثيّة بما لا ينقسم.
(٤) ولمزيد التوضيح راجع كلام صدر المتألّهين في الأسفار ٢ : ٨٣ ـ ٨٤ ، وشرحه للهداية الأثيريّة : ٢٢٥.
(٥) راجع النجاة : ١٩٨ ، وكشف المراد : ٩٩ ، وشوارق الإلهام : ١٦٩ ، وشرح المواقف : ١٥١.
وأقول : بل الوحدة تساوق الوجود وما يساوقه من الوجوب والشيئيّة ، ضرورة أنّ مساوق الشيء مساوق لما يساوقه. فكلّ واجب واحد من جهة أنّه واجب ، وكلّ شيء واحد من جهة أنّه شيء.
والمراد من المساوقة هو الاتّحاد مصداقا. قال صدر المتألّهين : «اعلم أنّ الوحدة رفيق الوجود ، يدور معه حيثما دار ، إذ هما متساويان في الصدق على الأشياء ، فكلّ ما يقال عليه أنّه موجود يقال عليه أنّه واحد». الأسفار ٢ : ٨٢.