خارج ولا في ذهن ـ مطابق ثابت نحوا من الثبوت التبعيّ بتبع الموجودات الحقيقيّة.
توضيح ذلك : أنّ من التصديقات الحقّة (١) ما له مطابق في الخارج ، نحو «الإنسان موجود» و «الإنسان كاتب». ومنها ما له مطابق في الذهن ، نحو «الإنسان نوع» و «الحيوان جنس». ومنها ما له مطابق يطابقه لكنّه غير موجود في الخارج ولا في الذهن ، كما في قولنا : «عدم العلّة علّة لعدم المعلول» و «العدم باطل الذات» إذ العدم لا تحقّق له في خارج ولا في ذهن ، ولا لأحكامه وآثاره. وهذا النوع من القضايا تعتبر مطابقته لنفس الأمر ، فإنّ العقل إذا صدّق كون وجود العلّة علّة لوجود المعلول اضطرّ إلى تصديق أنّه ينتفي إذا انتفت علّته ، وهو كون عدمها علّة لعدمه ، ولا مصداق محقّق للعدم في خارج ولا في ذهن ، إذ كلّ ما حلّ في واحد منهما فله وجود.
والذيّ ينبغي أن يقال بالنظر إلى الأبحاث السابقة أنّ الأصيل هو الموجود الحقيقيّ ، وهو الوجود ، وله كلّ حكم حقيقيّ. ثمّ لمّا كانت الماهيّات ظهورات الوجود للأذهان توسّع العقل توسّعا اضطراريّا باعتبار الوجود لها وحمله عليها ، وصار مفهوم الوجود والثبوت يحمل على الوجود والماهيّة وأحكامهما جميعا. ثمّ توسّع العقل توسّعا اضطراريّا ثانيا بحمل مطلق الثبوت والتحقّق على كلّ مفهوم يضطرّ إلى اعتباره بتبع الوجود أو الماهيّة ، كمفهوم العدم والماهيّة والقوّة ، والفعل ، ثمّ التصديق بأحكامها.
فالظرف الّذي يفرضه العقل لمطلق الثبوت والتحقّق ـ بهذا المعنى الأخير ـ هو الّذي نسمّيه «نفس الأمر» ويسع الصوادق من القضايا الذهنيّة والخارجيّة. وما يصدّقه العقل ولا مطابق له في ذهن أو خارج ، غير أنّ الامور النفس الأمريّة لوازم عقليّة للماهيّات متقرّرة بتقرّرها. وللكلام تتمّة ستمرّ بك إن شاء الله تعالى (٢).
وقيل (٣) : المراد بالأمر في نفس الأمر عالم الأمر ، وهو عقل كلّيّ فيه صور
__________________
(١) وهي التصديقات الصادقة الّتي لها مطابق.
(٢) في الفصل الرابع من هذه المرحلة ، والفصلين الأوّل والعاشر من المرحلة الحادية عشرة.
(٣) والقائل هو المحقّق الطوسيّ على ما في كشف المراد : ٧٠. وتعرّض له أيضا في شرح ـ