التحصيليّ كما يجد العمى ـ وهو عدم مضاف ـ كذلك أوّل ما يجده.
ويتفرّع على ما تقدّم امور :
الأمر الأوّل : أنّ موضوع الإمكان هو الماهيّة ، إذ لا يتّصف الشيء بلا ضرورة الوجود والعدم إلّا إذا كان في نفسه خلوا من الوجود والعدم جميعا وليس إلّا الماهيّة من حيث هي ، فكلّ ممكن فهو ذو ماهيّة. وبذلك يظهر معنى قولهم : «كلّ ممكن زوج تركيبيّ ، له ماهيّة ووجود» (١).
وأمّا إطلاق الممكن على وجود غير الواجب بالذات وتسميته بالوجود الإمكانيّ فاصطلاح آخر في الإمكان والوجوب ، يستعمل فيه الإمكان والوجوب بمعنى الفقر الذاتيّ ، والغنى الذاتيّ ، وليس يراد به سلب الضرورتين ، أو استواء النسبة إلى الوجود والعدم ، إذ لا يعقل ذلك بالنسبة إلى الوجود.
الأمر الثاني : أنّ الإمكان لازم الماهيّة ، إذ لو لم يلزمها جاز أن تخلو منه فكانت واجبة أو ممتنعة ، فكانت في نفسها موجودة أو معدومة ، والماهيّة من حيث هي لا موجودة ولا معدومة.
والمراد بكونه لازما لها أنّ فرض الماهيّة من حيث هي يكفي في اتّصافها بالإمكان ، من غير حاجة إلى أمر زائد (٢) ، دون اللزوم الاصطلاحيّ ، وهو كون الملزوم علّة مقتضية لتحقّق اللازم ولحوقه به (٣) ، إذ لا اقتضاء في مرتبة الماهيّة من حيث هي إثباتا ونفيا.
لا يقال : تحقّق سلب الضرورتين في مرتبة ذات الماهيّة يقضي بكون الإمكان داخلا في ذات الشيء ، وهو ظاهر الفساد.
فإنّا نقول : إنّما يكون محمول من المحمولات داخلا في الذات إذا كان الحمل حملا أوّليّا الّذي ملاكه الاتّحاد المفهوميّ ، دون الحمل الشائع الّذي ملاكه الاتّحاد
__________________
(١) راجع الفصل السابع من المقالة الاولى من إلهيّات الشفاء.
(٢) أي : لا تحتاج في اتّصافها به إلى سبب خارج عنها.
(٣) نحو قولنا : «الحرارة لازمة للنار» أي النار علّة للحرارة.