وجود الموجود أمر وعاؤه الخارج وله آثار خارجيّة وجوديّة (١).
وكذا قول من قال (٢) : «إنّ للإمكان وجودا في الخارج منحازا مستقلّا». وذلك لظهور أنّه معنى عدميّ واحد مشترك بين الماهيّات ، ثابت بثبوتها في أنفسها ، وهو سلب الضرورتين ، ولا معنى لوجود الأعدام بوجود منحاز مستقلّ. على أنّه لو كان موجودا في الأعيان بوجود منحاز مستقلّ كان إمّا واجبا بالذات وهو ضروريّ البطلان ، وإمّا ممكنا وهو خارج عن ثبوت الماهيّة ، لا يكفي فيه ثبوتها في نفسها ، فكان بالغير ، وسيجيء استحالة الإمكان بالغير (٣).
وقد استدلّوا (٤) على ذلك بوجوه (٥) ، أوجهها : أنّ الممكن لو لم يكن ممكنا في الأعيان لكان إمّا واجبا فيها أو ممتنعا فيها ، فيكون الممكن ضروريّ الوجود أو ضروريّ العدم ، هذا محال.
ويردّه : أنّ الاتّصاف بوصف في الأعيان لا يستلزم تحقّق الوصف فيها بوجود منحاز مستقلّ ، بل يكفي فيه أن يكون موجودا بوجود موصوفه. والإمكان من المعقولات الثانية الفلسفيّة الّتي عروضها في الذهن والاتّصاف بها في الخارج ، وهي موجودة في الخارج بوجود موضوعاتها (٦).
__________________
(١) فرفع هذه الضرورة ـ وهو الإمكان ـ أيضا في الخارج.
(٢) ذهب إليه الحكماء المشّاؤون من أتباع المعلّم الأوّل كما مرّ.
(٣) في الفصل الآتي.
(٤) أي : القائلين بأنّ للإمكان وجودا في الخارج منحازا مستقلّا.
(٥) تعرّض لها صدر المتألّهين في الأسفار ١ : ١٧٨ ـ ١٧٩.
(٦) هكذا ردّه صدر المتألّهين في الأسفار ١ : ١٨٠ ـ ١٨١.
قال الحكيم السبزواريّ : «الحاصل أنّ الاتّصاف في أيّ ظرف فرع ثبوت المتّصف في ذلك الظرف لا الصفة فيه ؛ وأنّ ثبوت شيء لشيء في ظرف فرع ثبوت المثبت له في ذلك الظرف لا الثابت فيه. وأنت تعلم أنّه فرق بين المعقول الثاني الفلسفيّ والمعقول الثاني المنطقيّ». راجع تعليقته على الأسفار ١ : ١٨٠.
واعلم أنّ المفاهيم قسمان : (أحدهما) المفاهيم الجزئيّة ، كمفهوم زيد ، عمرو ، بكر.
(ثانيهما) المفاهيم الكلّيّة ، كمفهوم الشجر ، والإنسان ، والإمكان ، والمعرّف ، وغيرها.
وتسمّى المفاهيم الكلّيّة ب «المعقولات» لأنّ موطنها العقل. ـ