وقد تبيّن ممّا تقدّم أنّ الإمكان معنى واحد مشترك كمفهوم الوجود.
تنبيه [في أقسام الضرورة] :
تنقسم الضرورة إلى : ضرورة أزليّة ، وهي : كون المحمول ضروريّا للموضوع لذاته ، من دون أيّ قيد وشرط حتّى الوجود ، وتختصّ بما إذا كانت ذات الموضوع وجودا قائما بنفسه بحتا لا يشوبه عدم ولا تحدّه ماهيّة ، وهو الوجود الواجبيّ تعالى وتقدّس فيما يوصف به من صفاته الّتي هي عين ذاته. وإلى ضرورة ذاتيّة ، وهي : كون المحمول ضروريّا للموضوع لذاته مع الوجود لا بالوجود (١) ، كقولنا :
__________________
ـ والمعقولات أيضا قسمان :
١ ـ المعقولات الاولى : وهي المفاهيم الكلّيّة الّتي لها ما بإزاء في الخارج. وتسمّى أيضا : «الماهيّات» أو «الحقائق» ، كمفهوم الشجر ، والإنسان ، والغنم ؛ فإنّ هذه مفاهيم تحكي عن الحقائق الخارجيّة.
٢ ـ المعقولات الثانية : وهي المفاهيم الكلّيّة الّتي ليس لها ما بإزاء في الخارج ، فليست صور الحقائق الخارجيّة بل هي أحكام وصفات للأشياء. فإن كانت صفاتا للمفاهيم الذهنيّة للأشياء بحيث لا تتّصف الأشياء بها إلّا في الذهن فهي تسمّى : «المعقولات الثانية المنطقيّة» كالنوعيّة والجنسيّة والعرضيّة والقضيّة وغيرها ، فإنّ اتّصاف الإنسان مثلا بالنوعيّة ـ أي مفهوم الإنسان نوع ـ في العقل كما أنّ عروضه له في العقل. وإن كانت صفاتا للحقائق الخارجيّة نفسها فهي تسمّى : «المعقولات الثانية الفلسفيّة» كالعلّة والمعلول والواحد والكثير ، فإنّ مفهوم النار ـ مثلا ـ لا يتّصف بالعلّيّة بل نفس حقيقتها الخارجيّة تتّصف بها ، ضرورة أنّها في الخارج علّة للحرارة ، كما أنّ مفهوم النار لا يتّصف بالوحدانيّة ، حيث إنّ مفهوم النار أمر كلّيّ ، بل حقيقتها الخارجيّة تتّصف بها في الخارج ، وإن كان عروضها لها في الذهن ، لأنّها لم يحاذها شيء في الخارج ، وعروض شيء لشيء فرع ثبوت المثبت والمثبت له.
والإمكان أيضا من المعقولات الثانية الفلسفيّة ، أي أنّه من صفات الحقائق الخارجيّة وتتّصف به الأشياء في الخارج ، ويعرض لها في الذهن.
(١) قوله : «مع الوجود» أي حين كون الموضوع موجودا. وقوله : «لا بالوجود» أي من دون أن يكون الوجود قيدا أو علّة لكون المحمول ضروريّا له. وهذه الضرورة إنّما تتحقّق في ثبوت الشيء لنفسه وثبوت ذاتيّات ولوازم ذاته له ، ضرورة أنّ ثبوت الشيء يحتاج ـ