«كلّ إنسان حيوان بالضرورة» (١) فالحيوانيّة ذاتيّة للإنسان ضروريّة له ما دام موجودا ومع الوجود ، ولو لاه لكان باطل الذات ، لا إنسان ولا حيوان. وإلى ضرورة وصفيّة (٢) ، وهي : كون المحمول ضروريّا للموضوع لوصفه (٣) ، كقولنا : «كلّ كاتب (٤) متحرّك الأصابع بالضرورة ما دام كاتبا». وإلى ضرورة وقتيّة (٥) ، ومرجعها إلى الضرورة الوصفيّة بوجه. (٦)
تنبيه آخر [في أقسام الإمكان] :
هذا الّذي تقدّم ـ من معنى الإمكان ـ هو المبحوث عنه في هذه المباحث ، وهو إحدى الجهات الثلاث الّتي لا يخلو عن واحدة منها شيء من القضايا (٧). وقد كان الإمكان عند العامّة يستعمل في سلب الضرورة عن الجانب المخالف ، ولازمه
__________________
ـ إلى الوجود ، وبعد ثبوته (حين ثبوته ـ ما دام ثابتا) يثبت له نفسه وذاتيّاته ولوازم ذاته بالضرورة.
(١) وكقولنا : «الإنسان إنسان بالضرورة» وقولنا : «الأربعة زوج بالضرورة».
(٢) ويقال لها : «المشروطة العامّة».
(٣) أي : لثبوت ذلك المحمول لوصف الموضوع ، فثبوت المحمول للوصف بما هو وصف بالضرورة الذاتيّة ، وللموصوف بالضرورة الوصفيّة.
(٤) أي : كلّ إنسان ثبتت له الكتابة. والأولى أن يقول : «كلّ إنسان حين الكتابة متحرّك الأصابع بالضرورة». كما مثّل له في درر الفوائد ب «الإنسان متحرّك الأصابع مادام كونه كاتبا» ، راجع درر الفوائد ١ : ٢٢٢.
والوجه في الأولويّة أنّ تفسير الكاتب بإنسان ثبتت له الكتابة مبنيّ على القول بتركّب المشتقّ ، وهو كما ترى. وأمّا الكاتب نفسه فتحرّك الأصابع ضروريّ له بالضرورة الذاتيّة.
(٥) كقولنا : «كلّ قمر منخسف بالضرورة وقت الحيلولة» وقولنا : «كلّ إنسان متنفسّ بالضرورة وقتا مّا».
(٦) بأن يقال : «القمر المتّصف بكون الأرض حائلا بينه وبين الشمس منخسف بالضرورة».
(٧) بخلاف صاحب المواقف ، فإنّه قال : «واعلم أنّ هذه غير الوجوب والإمكان والامتناع الّتي هي جهات القضايا وموادّها ...». فراجع شرح المواقف : ١٣١. واعترض عليه شارح المقاصد بأنّه : «إن أراد كونها واجبة لذوات اللوازم فالملازمة ممنوعة ، أو لذوات الماهيّات فبطلان التالي ممنوع ، فإنّ معناه أنّها واجبة الثبوت للماهيّات نظرا إلى ذواتها من غير احتياج إلى أمر آخر». راجع شرح المقاصد ١ : ١١٥.