هناك هواء نستنشقه ، وغذاء نتغذّى به ، ومساكن نسكنها ، وأرض نتقلّب عليها (١) ، وشمس نستضيء بضيائها ، وكواكب نهتدي بها ، وحيوان ، ونبات ، وغيرهما (٢).
وهناك امور نبصرها ، واخرى نسمعها ، واخرى نشمّها ، واخرى نذوقها ، واخرى واخرى.
وهناك امور نقصدها أو نهرب منها (٣) ، وأشياء نحبّها أو نبغضها ، وأشياء نرجوها أو نخافها ، وأشياء تشتهيها طباعنا أو تتنفّر منها ، وأشياء نريدها لغرض الاستقرار في مكان أو الانتقال من مكان أو إلى مكان أو الحصول على لذّة أو الاتّقاء من ألم أو التخلّص من مكروه أو لمآرب اخرى.
وجميع هذه الامور الّتي نشعر بها ـ ولعلّ معها ما لا نشعر بها ـ ليست بسدى (٤) ، لما أنّها موجودة جدّا وثابتة واقعا (٥). فلا يقصد شيء شيئا إلّا لأنّه (٦) عين خارجيّة وموجود واقعيّ أو منته إليه ، ليس وهما سرابيّا (٧). فلا يسعنا
__________________
ـ الثاني : ما ذكره صدر المتألّهين في الأسفار من أنّ الفعل والانفعال قد يقالان للإيجاد بلا حركة وللقبول بلا تجدّد ، ككون الباري تعالى فاعلا للعالم وكون العالم منفعلا عنه. و (أن يفعل) و (أن ينفعل) يقالان للإيجاد بالحركة. الأسفار ٤ : ٢٢٤.
(١) أي : نتحوّلها من جانب إلى جانب.
(٢) هكذا في جميع النسخ ، وهو الصحيح ، لأنّ الحيوان والنبات منفصلان عن ما قبلهما ، حيث ذكر بعد كلّ أمر وجه التأثير والتأثّر منه ، وأمّا الحيوان والنبات فلم يذكر وجه التأثير والتأثّر منهما ، فكأنّه قال : وحيوان ونبات وغيرهما ممّا له الإفادة والاستفادة من وجوه اخر. فلا وجه للتصرّف في العبارة وتبديلها ب «غيرها».
(٣) أي : نفرّ منها.
(٤) أي : ليست بباطل.
(٥) أي : وجدانا.
(٦) أي : ما يقصد.
(٧) وإلّا فلا يقصده ، فإنّ ما يقصده الإنسان على أقسام :
الأوّل : ما هو عين خارجيّة ذات آثار خارجيّة ، تدركه الحواسّ الظاهرة.
الثاني : ما هو ليس عينا خارجيّة ، ولكن ينتهي إليها ، كالاعتبارات الّتي اعتبرها العقل لترتيب آثار واقعيّة ، كالملكيّة.
الثالث : ما ليس موجودا خارجيّا ، ولا منتهيا إليه ، بل أمر وهميّ سرابيّ ، كسراب في الفلاة ـ