فكانت احيانا تضىء لهم وأحيانا لا تضىء كما يريدون فدلّوا قناديل واطنان القصب تشدّ بالحبال فيها النيران ثمّ تدلّى حتّى ينتهى الى الارض ففعلوا ذلك فى أقصى الظلال وأدناها وأوسطها حتّى فعل ذلك بالظلّة الّتي فيها المنبر ، فلمّا لم يروا شيئا أعلموا ابن زياد بتفرق القوم ففتح باب السدّة الّتي فى المسجد ، ثمّ خرج فصعد المنبر وخرج أصحابه معه فأمرهم ، فجلسوا قبيل العتمة وأمر عمرو بن نافع ، فنادى ألا برئت الذمّة من رجل من الشرط والعرفاء والمناكب أو المقاتلة صلّى العتمة الّا فى المسجد.
فلم يكن الّا ساعة حتّى امتلاء المسجد من النّاس ثمّ أمر مناديه فأقام الصلاة وأقام الحرس خلفه وأمرهم بحراسته من أن يدخل عليه أحد يغتاله وصلّى بالناس ، ثمّ صعد المنبر ، فحمد الله واثنى عليه ، ثمّ قال : أمّا بعد ، فان ابن عقيل السفيه الجاهل قد أتى ما قد رأيتم من الخلاف والشقاق فبرئت ذمّة الله من رجل وجدناه فى داره ومن جاء به فله ديته اتقوا الله عباد الله والزموا طاعتكم وبيعتكم ، ولا تجعلوا على أنفسكم سبيلا.
يا حصين بن نمير ، ثكلتك امّك إن ضاع باب سكة من سكك الكوفة أو خرج هذا الرجل ولم تأتنى به وقد سلطتك على دور أهل الكوفة فابعث مراصد على أهل السكك وأصبح غدا فاستبرء الدور وجس خلالها حتّى تأتينى بهذا الرجل وكان حصين بن نمير على شرطه وهو من بنى تميم ، ثمّ دخل ابن زياد القصر وقد عقد لعمرو ابن الحريث راية وأمّره على الناس ، فلمّا اصبح جلس مجلسه ، وأذن للناس ، فدخلوا عليه وأقبل محمّد بن الاشعث ، فقال مرحبا بمن لا يستغش ولايتهم.
ثمّ اقعده الى جنبه وأصبح ابن تلك العجوز فغدا إلى عبد الرحمن بن محمّد بن الاشعث ، فأخبره بمكان مسلم بن عقيل عند امّه فاقبل عبد الرحمن حتّى أتى أباه وهو عند ابن زياد سارّه فعرف ابن زياد سراره ، فقال له ابن زياد بالقضيب فى جنبه