الآية فإن كل واحد من هذه الظروف إما متعلق بنفس الجعل أو بمحذوف وقع حالا من مفعوله تقدمت عليه لكونه نكرة وأياما كان فهو قيد فى الكلام حتى إذا اقتضى الحال وقوعه عمدة فيه يكون الجعل متعديا إلى اثنين هو ثانيهما كما فى قوله تعالى (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ) وربما يشتبه الأمر فيظن أنا عمدة فيه وهو فى الحقيقة قيد بأحد الوجهين كما سلف فى قوله تعالى (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً) حيث قيل إن الظرف مفعول ثان لجاعل وقد أشير هناك إلى أن الذى يقضى به الذوق السليم وتقتضيه جزالة النظم الكريم أنه متعلق بجاعل أو بمحذوف وقع حالا من المفعول وأن المفعول الثانى هو خليفة وأن الأول محذوف على ما مر تفصيله وجمع الظلمات لظهور كثرة أسبابها ومحالها عند الناس ومشاهدتهم لها على التفصيل وتقديمها على النور لتقدم الإعدام على الملكات مع ما فيه من رعاية حسن المقابلة بين القرينتين وقوله تعالى (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) معطوف على الجملة السابقة الناطقة بما مر من موجبات* اختصاصه تعالى بالحمد المستدعى لاقتصار العبادة عليه كما حقق فى تفسير الفاتحة الكريمة مسوق لإنكار ما عليه الكفرة واستبعاده من مخالفتهم لمضمونها واجترائهم على ما يقضى ببطلانه بديهة العقول والمعنى أنه تعالى مختص باستحقاق الحمد والعبادة باعتبار ذاته وباعتبار ما فصل من شئونه العظيمة الخاصة به الموجبة لقصر الحمد والعبادة عليه ثم هؤلاء الكفرة لا يعملون بموجبه ويعدلون به سبحانه أى يسوون به غيره فى العبادة التى هى أقصى غايات الشكر الذى رأسه الحمد مع كون كل ما سواه مخلوقا له غير متصف بشىء من مبادى الحمد وكلمة ثم لاستبعاد الشرك بعد وضوح ما ذكر من الآيات التكوينية القاضية ببطلانه لا بعد بيانه بالآيات التنزيلية والموصول عبارة عن طائفة الكفار جار مجرى الاسم لهم من غير أن يجعل كفرهم بما يجب أن يؤمن به كلا أو بعضا عنوانا للموضوع فإن ذلك مخل باستبعاد ما أسند إليهم من الإشراك والباء متعلقة بيعدلون ووضع الرب موضع ضميره تعالى لزيادة التشنيع والتقبيح والتقديم لمزيد الاهتمام والمسارعة إلى تحقيق مدار الإنكار والاستبعاد والمحافظة على الفواصل وترك المفعول لظهوره أو لتوجيه الإنكار إلى نفس الفعل بتنزيله منزلة اللازم إيذانا بأنه المدار فى الاستبعاد والاستنكار لا خصوصية المفعول هذا هو الحقيق بجزالة التنزيل والخليق بفخامة شأنه الجليل وأما جعل الباء صلة لكفروا على أن يعدلون من العدول والمعنى أن الله تعالى حقيق بالحمد على ما خلقه نعمة على العباد ثم الذين كفروا به يعدلون فيكفرون نعمته فيرده أن كفرهم به تعالى لا سيما باعتبار ربوبيته تعالى لهم أشد شناعة وأعظم جناية من عدولهم عن حمده عزوجل لتحققه مع إغفاله أيضا فجعل أهون الشرين عمدة فى الكلام مقصود الإفادة وإخراج أعظمهما مخرج القيد المفروغ عنه مما لا عهد له فى الكلام السديد فكيف بالنظم التنزيلى هذا وقد قيل إنه معطوف على خلق السموات والمعنى أنه تعالى خلق ما خلق مما لا يقدر عليه أحد سواه ثم هم يعدلون به سبحانه ما لا يقدر على شىء منه لكن لا على قصد أنه صلة مستقلة ليكون بمنزلة أن يقال الحمد لله الذى عدلوا به بل على أنه داخل تحت الصلة بحيث يكون الكل صلة واحدة كأنه قيل الحمد لله الذى كان منه تلك النعم العظام ثم من الكفرة الكفر وأنت خبير بأن ما ينتظم فى سلك الصلة المنبئة عن موجبات حمده عز