(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ) (٢)
____________________________________
وجل حقه أن يكون له دخل فى ذلك الإنباء ولو فى الجملة ولا ريب فى أن كفرهم بمعزل منه وادعاء أن له دخلا فيه لدلالته على كمال الجود كأنه قيل الحمد لله الذى أنعم بمثل هذه النعم العظام على من لا يحمده تعسف لا يساعده النظام وتعكيس يأباه المقام كيف لا ومساق النظم الكريم كما تفصح عنه الآيات الآتية تشنيع الكفرة وتوبيخهم ببيان غاية إساءتهم مع نهاية إحسانه تعالى إليهم لا بيان نهاية إحسانه تعالى إليهم مع غاية إساءتهم فى حقه تعالى كما يقتضيه الادعاء المذكور وبهذا اتضح أنه لا سبيل إلى جعل المعطوف من روادف المعطوف عليه لما أن حق الصلة أن تكون غير مقصودة الإفادة فما ظنك بما هو من روادفها وقد عرفت أن المعطوف هو الذى سيق له الكلام فتأمل وكن على الحق المبين (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ) استئناف مسوق لبيان بطلان كفرهم بالبعث مع مشاهدتهم لما يوجب الإيمان به إثر بيان بطلان إشراكهم به تعالى مع معاينتهم لموجبات توحيده وتخصيص خلقهم بالذكر من بين سائر دلائل صحة البعث مع أن ما ذكر من خلق السموات والأرض من أوضحها وأظهرها كما ورد فى قوله تعالى (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) لما أن محل النزاع بعثهم فدلالة بدء خلقهم على ذلك أظهروهم بشئون أنفسهم أعرف والتعامى عن الحجة النيرة أقبح والالتفات لمزيد التشنيع والتوبيخ أى ابتدأ خلقكم منه فإنه المادة الأولى للكل لما أنه منشأ آدم الذى هو أبو البشر وإنما نسب هذا الخلق إلى المخاطبين لا إلى آدم عليهالسلام وهو المخلوق منه حقيقة بأن يقال هو الذى خلق أباكم الخ مع كفاية علمهم بخلقه عليهالسلام منه فى إيجاب الإيمان بالبعث وبطلان الامتراء لتوضيح منهاج القياس وللمبالغة فى إزاحة الاشتباه والالتباس مع ما فيه من تحقيق الحق والتنبيه على حكمة خفية هى أن كل فرد من أفراد البشر له حظ من إنشائه عليهالسلام منه حيث لم تكن فطرته البديعة مقصورة على نفسه بل كانت أنموذجا منطويا على فطرة سائر آحاد الجنس انطواء إجماليا مستتبعا لجريان آثارها على الكل فكأن خلقه عليهالسلام من الطين خلقا لكل أحد من فروعه منه ولما كان خلقه على هذا النمط السارى إلى جميع أفراد ذريته أبدع من أن يكون ذلك مقصورا على نفسه كما هو المفهوم من نسبة الخلق المذكور إليه وأدل على عظم قدرة الخلاق العليم وكمال علمه وحكمته وكان ابتداء حال المخاطبين أولى بأن يكون معيارا لانتهائها فعل ما فعل ولله در شأن التنزيل وعلى هذا السر مدار قوله تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ) الخ وقوله تعالى (وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً) كما سيأتى وقيل المعنى خلق أباكم منه على حذف المضاف وقيل معنى خلقهم منه خلقهم من النطفة الحاصلة من الأغذية المتكونة من الأرض وأياما كان ففيه من وضوح الدلالة على كمال قدرته تعالى على البعث ما لا يخفى فإن من قدر على إحياء مالم يشم رائحة الحياة قط كان على إحياء ما قارنها مدة أظهر* قدرة (ثُمَّ قَضى) أى كتب لموت كل واحد منكم (أَجَلاً) خاصا به أى حدا معينا من الزمان يفنى عند حلوله* لا محالة وكلمة ثم للإيذان بتفاوت ما بين خلقهم وبين تقدير آجالهم حسبما تقتضيه الحكم البالغة (وَأَجَلٌ مُسَمًّى) أى حد معين لبعثكم جميعا وهو مبتدأ لتخصصه بالصفة كما فى قوله تعالى (وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ) ولوقوعه