(وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (٤) فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) (٥)
____________________________________
فى البيانية وقيل هو خبر بعد خبر عند من يجوز كون الخبر الثانى جملة كما فى قوله تعالى (فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى) وقيل هو الخبر والاسم الجليل بدل من هو وبه يتعلق الظرف المتقدم ويكفى فى ذلك كون المعلوم فيهما كما فى قولك رميت الصيد فى الحرم إذا كان هو فيه وأنت خارجه ولعل جعل سرهم وجهرهم فيهما لتوسيع الدائرة وتصوير أنه لا يعزب عن علمه شىء منهما فى أى مكان كان لا لأنهما قد يكونان فى السموات أيضا وتعميم الخطاب لأهلها تعسف لا يخفى (وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ) أى ما تفعلونه لجلب نفع أو دفع ضر* من الأعمال المكتسبة بالقلوب أو بالجوارح سرا أو علانية وتخصيصها بالذكر مع إندراجها فيما سبق على التفسير الثانى للسر والجهر لإظهار كمال الاعتناء بها لأنها التى يتعلق بها الجزاء وهو السر فى إعادة يعلم (وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ) كلام مستأنف وارد لبيان كفرهم بآيات الله وإعراضهم عنها بالكلية بعد ما بين فى الآية الأولى إشراكهم بالله سبحانه وإعراضهم عن بعض آيات التوحيد وفى الآية الثانية امتراؤهم فى البعث وإعراضهم عن بعض آياته والالتفات للإشعار بأن ذكر قبائحهم قد اقتضى أن يضرب عنهم الخطاب صفحا وتعدد جناياتهم لغيرهم ذما لهم وتقبيحا لحالهم فما نافية وصيغة المضارع لحكاية الحال الماضية أو الدلالة على الاستمرار التجددى ومن الأولى مزيدة للاستغراق والثانية تبعيضية واقعة مع مجرورها صفة لآية وإضافة الآيات إلى اسم الرب المضاف إلى ضميرهم لتفخيم شأنها المستتبع لتهويل ما اجترءوا عليه فى حقها والمراد بها إما الآيات التنزيلية فإتيانها نزولها والمعنى ما ينزل إليهم آية من الآيات القرآنية التى من جملتها هاتيك الآيات الناطقة بما فصل من بدائع صنع الله عزوجل المنبئة عن جريان أحكام ألوهيته تعالى على كافة الكائنات وإحاطة علمه بجميع أحوال الخلق وأعمالهم الموجبة للإقبال عليها والإيمان بها (إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ) أى على وجه التكذيب والاستهزاء كما ستقف عليه وأما الآيات التكوينية الشاملة* للمعجزات وغيرها من تعاجيب المصنوعات فإتيانها ظهورها لهم والمعنى ما يظهر لهم آية من الآيات التكوينية التى من جملتها ما ذكر من جلائل شئونه تعالى الشاهدة بوحدانيته (إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ) تاركين للنظر الصحيح فيها المؤدى إلى الإيمان بمكونها وإيثاره على أن يقال إلا أعرضوا عنها كما وقع مثله فى قوله تعالى وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر للدلالة على استمرارهم على الإعراض حسب استمرار إتيان الآيات وعن متعلقة بمعرضين قدمت عليه مراعاة للفواصل والجملة فى محل النصب على أنها حال من مفعول تأتى أو من فاعله المتخصص بالوصف لاشتمالها على ضمير كل منهما وأيا ما كان ففيها دلالة بينة على كمال مسارعتهم إلى الإعراض وإيقاعهم له فى آن الإتيان كما يفصح عنه كلمة لما فى قوله تعالى (فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ) فإن الحق عبارة عن القرآن الذى أعرضوا عنه حين أعرضوا* عن كل آية آية منه عبر عنه بذلك إبانة لكمال قبح ما فعلوا به فإن تكذيب الحق مما لا يتصور صدوره