(وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (١٥٢)
____________________________________
عنها لقوة الدواعى إليها وإما لأن قربانها داع إلى مباشرتها وتوسيط النهى عنها بين النهى عن قتل الأولاد والنهى عن القتل مطلقا كما وقع فى سورة بنى إسرائيل باعتبار أنها مع كونها فى نفسها جناية عظيمة فى حكم قتل الأولاد فإن أولاد الزنا فى حكم الأموات وقد قال صلىاللهعليهوسلم فى حق العزل إن ذاك وأد خفى ومن ههنا تبين أن حمل الفواحش على الكبائر مطلقا وتفسير ما ظهر منها وما بطن بما فسر به ظاهر الإثم وباطنه فيما سلف من قبيل الفصل بين الشجر ولحائه (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ) أى حرم قتلها* بأن عصمها بالإسلام أو بالعهد فيخرج منها الحربى وقوله تعالى (إِلَّا بِالْحَقِّ) استثناء مفرغ من أعم* الأحوال أى لا تقتلوها فى حال من الأحوال إلا حال ملابستكم بالحق الذى هو أمر الشرع بقتلها وذلك بالكفر بعد الإيمان والزنا بعد الإحصان وقتل النفس المعصومة أو من أعم الأسباب أى لا تقتلوها بسبب من الأسباب إلا بسب الحق وهو ما ذكر أو من أعم المصادر أى لا تقتلوها قتلا ما إلا قتلا كائنا بالحق وهو القتل بأحد الأمور المذكورة (ذلِكُمْ) إشارة إلى ما ذكر من التكاليف الخمسة* وما فى ذلك من معنى البعد للإيذان بعلو طبقاتها من بين التكاليف الشرعية وهو مبتدأ وقوله تعالى (وَصَّاكُمْ بِهِ) أى أمركم به ربكم أمرا مؤكدا خبره والجملة استئناف جىء به تجديدا للعهد وتأكيدا لإيجاب* المحافظة على ما كلفوه ولما كانت الأمور المنهى عنها مما تقضى بديهة العقول بقبحها فصلت الآية الكريمة بقوله تعالى (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) أى تستعملون عقولكم التى تعقل نفوسكم وتحبسها عن مباشرة القبائح* المذكورة (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ) توجيه النهى إلى قربانه لما مر من المبالغة فى النهى عن أكله ولإخراج القربان النافع عن حكم النهى بطريق الاستثناء اى لا تتعرضوا له بوجه من الوجوه (إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) * إلا بالخصلة التى هى أحسن ما يكون من الحفظ والتئمير ونحو ذلك والخطاب للأولياء والأوصياء لقوله تعالى (حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ) فإنه غاية لما يفهم من الاستثناء لا للنهى كأنه قيل احفظوه حتى يصير بالغا* رشيدا فحينئذ سلموه إليه كما فى قوله تعالى (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ) والأشد جمع شدة كنعمة وأنعم أو شد ككلب وأكلب أو شد كصر وآصر وقيل هو مفرد كآنك (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ) أى بالعدل والتسوية (لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) إلا ما يسعها ولا يعسر عليها وهو اعتراض* جىء به عقيب الأمر بالعدل للإيذان بأن مراعاة العدل كما هو عسير كأنه قيل عليكم بما فى وسعكم وما وراءه معفو عنكم (وَإِذا قُلْتُمْ) قولا فى حكومة أو شهادة أو نحوهما (فَاعْدِلُوا) فيه (وَلَوْ كانَ) أى المقول* له أو عليه (ذا قُرْبى) أى ذا قرابة منكم ولا تميلوا نحوهم أصلا وقد مر تحقيق معنى لو فى مثل هذا الموضع* مرارا (وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا) أى ما عهد إليكم من الأمور المعدودة أو أى عهد كان فيدخل فيه ما ذكر