(وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٥٥) أَنْ تَقُولُوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ لَغافِلِينَ) (١٥٦)
____________________________________
وَصَّاكُمْ بِهِ) بطريق الاستئناف تصديقا له وتقريرا لمضمونه فعلنا ذلك ثم آتينا الخ كما أن قوله تعالى (وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ) معطوف على ما يدل عليه معنى أو لم يهد الخ كأنه قيل يغفلون عن الهداية ونطبع الخ وأما عطفه على (ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ) ونظمه معه فى سلك الكلام الملقن كما أجمع عليه الجمهور فمما لا يليق بجزالة النظم الكريم فندبر وثم للتراخى فى الأخبار كما فى قولك بلغنى ما صنعت اليوم ثم ما صنعت أمس أعجب أو للتفاوت فى الرتبة كأنه قيل ذلكم وصاكم به قديما وحديثا ثم أعظم من ذلك أنا آتينا موسى التوراة فإن إيتاءها مشتملة على الوصية المذكورة وغيرها أعظم من التوصية بها فقط (تَماماً) للكرامة والنعمة أى إتماما* لهما على أنه مصدر من أتم بحذف الزوائد (عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ) أى على من أحسن القيام به كائنا من كان* ويؤيده أنه قرىء على الذين أحسنوا وتماما على المحسنين أو على الذى أحسن تبليغه وهو موسى عليهالسلام أو تماما على ما أحسنه موسى عليهالسلام أى أجاده من العلم والشرائع أى زيادة على علمه على وجه التتميم وقرىء بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أى على الذى هو أحسن دين وأرضاه أو آتينا موسى الكتاب تماما أى تاما كاملا على أحسن ما يكون عليه الكتب (وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ) وبيانا مفصلا لكل ما يحتاج* إليه فى الدين وهو عطف على تماما ونصبهما إما على العلية أو على المصدرية كما أشير إليه أو على الحالية وكذا قوله تعالى (وَهُدىً وَرَحْمَةً) وضمير (لَعَلَّهُمْ) لبنى إسرائيل المدلول عليهم بذكر موسى وإيتاء الكتاب* والباء فى قوله تعالى (بِلِقاءِ رَبِّهِمْ) متعلقة بقوله تعالى (يُؤْمِنُونَ) قدمت عليه محافظة على الفواصل قال* ابن عباس رضى الله عنهما كى يؤمنوا بالبعث ويصدقوا بالثواب والعذاب (وَهذا) أى الذى تليت عليكم أوامره ونواهيه أى القرآن (كِتابٌ) عظيم الشأن لا يقادر قدره وقوله تعالى (أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ) أى كثير* المنافع دينا ودنيا صفتان لكتاب وتقديم وصف الإنزال مع كونه غير صريح لأن الكلام مع منكريه أو خبران آخران لاسم الإشارة أى أنزلناه مشتملا على فنون الفوائد الدينية والدنيوية التى فصلت عليكم طائفة منها والفاء فى قوله تعالى (فَاتَّبِعُوهُ) لترتيب ما بعدها على ما قبلها فإن عظم شأن الكتاب فى نفسه* وكونه منزلا من جنابه عزوجل مستتبعا للمنافع الدينية والدنيوية موجب لاتباعه أى إيجاب (وَاتَّقُوا) * مخالفته (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) بواسطة اتباعه والعمل بموجبه (أَنْ تَقُولُوا) علة لأنزلناه المدلول عليه بالمذكور لا لنفسه للزوم الفصل حينئذ بين العامل والمعمول بأجنبى هو مبارك وصفا كان أو خبرا أى أنزلناه كذلك كراهة أن تقولوا يوم القيامة لو لم ننزله (إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ) الناطق بتلك الأحكام العامة لكل الأمم* (عَلى طائِفَتَيْنِ) كائنتين (مِنْ قَبْلِنا) وهما اليهود والنصارى وتخصيص الإنزال بكتابيهما لأنهما الذى* اشتهر حينئذ فيما بين الكتب السماوية بالاشتمال على الأحكام لا سيما الأحكام المذكورة (وَإِنْ كُنَّا) *